Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الفلسطينيون لا بواكي لهم.. عبد الباري عطوان

الفلسطينيون لا بواكي لهم.. عبد الباري عطوان

  الفلسطينيون لا بواكي لهم.. هذا ما أكدته مواجهة تلفزيونية في ظل الانهيار العربي.. وأهل غزة سيردون العدوان ولن يستنجدوا بالنيتو وأسلحة أمريكا النوعية

 

**

لا نحتاج إلى الكثير من العناء كي نستنتج قرب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة “انتقاماً” لخطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، فيكفي متابعة محطات التلفزة الغربية، وليس الإسرائيلية فقط، وما تتضمنه من مهرجانات حزن وتضخيم للحادث، وسكب الدموع، لنتوقع الأسوأ، فلم يعد العراق أو سورية أو إعلان دولة الخلافة الإسلامية الخبر المهم، وإنما هؤلاء الإسرائيليين الثلاثة “الذين قتلوا بدم بارد”.

قضيت طوال اليوم متنقلاً بين محطات التلفزة البريطانية، وأذهلني حجم التغطية لجنازات المستوطنين الثلاثة وتهديدات المتحدثين العسكريين الإسرائيليين بالانتقام والتأكيد على أن حركة “حماس″ ستدفع ثمناً باهظاً، وإقامتهم شبه الدائمة في مقرات هذه المحطات، ومن بينهم السفير الإسرائيلي وطاقمه، ولم أر سفيراً عربياً واحداً دون أي استثناء.

***

في برنامج “غلوبال” الشهير الذي تبثه “بي بي سي” العالمية سألني المقدم عما إذا كان من حق الجيش الإسرائيلي الانتقام لمقتل “الفتيان” الثلاثة على أيدي خلية تابعة لحركة “حماس″؟

قلت له أولاً كيف عرفت السلطات الإسرائيلية أن “حماس″ هي التي تقف خلف هذه العملية، قال إنها أجهزة استخباراتهم، وهم يقولون أنهم يملكون الأدلة القوية في هذا الصدد، قلت إذا كانوا يملكون هذه الأجهزة الاستخبارية الجبارة فلماذا لم يكتشفوا الخاطفين ومكان إخفاء المخطوفين طوال الأسبوعين الماضيين وهم الذين يدعون أنهم يعرفون كل مليمتراً في الأراضي المحتلة؟

ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك وقلت للمقدم لماذا لم تر الجانب الآخر من الصورة، ألم تقولوا في تقريركم الذي سبق الحوار أن ستة من الفلسطينيين قتلوا (استشهدوا) برصاص القوات الإسرائيلية، أنا أسأل وبكل براءة، هل رأينا جنازة واحدة لهؤلاء على شاشة محطتكم أو أي محطة بريطانية أو أمريكية أخرى أليس هؤلاء بشراً أيضاً لهم أهل وأطفال وزوجات وآباء وأمهات؟ نقطة أخرى وردت في تقريركم وتحدثت عن نسف منزلين لمتهمين (اثنين) واحد من عائلة القواسمي وآخر من عائلة آبو عيشة، اتهما بالأقدام على عملية الخطف هذه، سؤالي هو هل جرى تقديم هؤلاء إلى المحاكمة، في هذه الدولة الحضارية الديمقراطية صاحبة القضاء المستقل الوحيد في المنطقة، وأدينوا بتنفيذ عملية الخطف هذه حتى يتم نسف بيوتهم، وماذا عن أطفالهم وأسرتهم، وما ذنب هؤلاء، وأي عدالة هذه؟

ندرك جيداً أن مهمتنا صعبة مع مقارعة إعلام منحاز للعدوان الإسرائيلي، ويضع الإسرائيليين في مكانة أقرب إلى “القداسة” بينما لا يعير أي اهتمام لنا أو ضحايانا، ولكن علينا أن نستمر في المحاولة، ونطرق كل الأبواب، مهما آلمنا الطرق، من أجل إيصال الحقيقة، خاصة أن قطاعاً عريضاً من الرأي العام بدأ يسمع ويتجاوب مع الحقائق التي كانت محجوبة عنه.

لا نملك بلورة سحرية للتنبؤ لاستقراء الأحداث المقبلة، لكن عندما يدعو أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي إلى شن عملية عسكرية في قطاع غزة مشابهة لعملية السور الواقي التي قادها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون عام 2002، فلا نستغرب أن نستيقظ صباح الغد وصور الدبابات الإسرائيلية تقتحم قطاع غزة، وطائرات أمريكية الصنع من طراز أف 16 تقصف البيوت الفلسطينية المتهالكة من الجو وتقتل المئات إن لم يكن الآلاف من الأبرياء، مثلما فعلت في عدوان عام 2008، فالجنرالات الإسرائيليون يشعرون بهزيمة مهينة بعد فشلهم في منع عملية خطف المستوطنين الثلاثة أولاً، والعثور على مكانهم ثانياً، وإنقاذ حياتهم ثالثاً، والهزيمة على يد من؟ مجموعة صغيرة من الشبان خططوا لهذه العملية جيداً، وربما لا يجدون قوت يومهم.

حركة “حماس″ المحاصرة في قطاع غزة، ومعها مليونا فلسطيني لا يجدون الماء ناهيك عن الطعام في هذا الشهر الفضيل، لا يملكون صواريخ مضادة للطائرات، ولا أخرى مضادة للدروع، ولكنهم يملكون إيماناً قوياً بالنصر، ويتطلعون إلى الشهادة ويتمنونها وهم صائمون ساجدون في شهر التضحية والمعاناة والتقرب إلى الله.

***

في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة لم يرفع المدافعون عنه الرايات البيضاء استسلاماً لعدم توازن القوى وانعدام الأسلحة، وإنما أطلقوا مئات الصواريخ التي هطلت كالمطر على تل أبيب ووصلت إلى محيط القدس، ودفعت أكثر من أربعة ملايين مستوطن إسرائيلي في تل أبيب وغيرها للهرولة بجزع ورعب إلى الملاجئ في أقل من سبع دقائق من انطلاق صفارات الإنذار، فالإرادة أقوى من كل الجيوش والأسلحة الحديثة، أنهم القلة المؤمنة التي ستهزم الكثرة الكافرة بإذن الله.

نتنياهو المعزول والمهمش ربما يستغل حالة الانهيار العربي الراهنة لارتكاب مجازر جديدة في القطاع والضفة الغربية أيضاً، ولكنه ومستوطنيه هم الذين سيدفعون ثمناً باهظاً لأي عدوان على أمل كسر عزلته الإقليمية والدولية، ففي أرض الإسراء والمعراج رجال من قوم الجبارين.

لن يستجدي رجال القطاع والضفة الأسلحة النوعية من الولايات المتحدة ولا الصواريخ المضادة للطائرات، ليس لأنهم لن يحصلوا عليها (وهل حصل عليها غيرهم؟) وإنما لأنهم سلموا أمرهم للخالق جل وعلا وهو قطعاً لن يخذلهم، واعتمدوا على أنفسهم، وليس على الأنظمة العربية المتواطئة، فلم تدعم هذه الأنظمة أحداً إلا وانهزم.