دوما ما نتسائل نحن العرب عن سر النفوذ اليهودي، كما و نتذمر من سيطرتهم على دوائر صنع القرار في البلدان الأوروبية وعلى مستوى العالم كذلك بما يعرف بالأخطوب الماسوني، ولكن هل تسائلنا كيف يتنسى لهم ذلك؟؟!!
إن ما نراه و ما نسمعه من حكايات عن " ثورة " في دولة تعصف بها رياح عاتية من الشرق ومن الغرب أرادت الإنتقال ببلدها لتصبح بلداً أوروبياً فتياً، وكيف تصدر اليهود المشهد فيها إنما هو تجسيداً عملياً و مثالاً حياً يجيب على تساؤلنا...
أنها أوكرانيا تلك البقعة الخضراء الثرية بموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية ومصانعها وشعبها والواقعة بين روسيا وأوروبا، فروسيا تنظر اليها دون أدنى شك على أنها بلد سلافي يجب أن يدور بفلكها فكيف لا وأصل تسميتها يعود لكلمة "روس" وجذورها الى إمارة "كييفسكا روسا" كييف الحالية عاصمة أوكرانيا، فكيف لروسيا ان تتنازل عن منشأ اسمها وعاصمتها الاولى.. اما أوروبا فهي ترى بأن هذا بلدا أوروبيا سُلب "ظلما" منها بطغوة روسية وترى بانها دولة أوروبية يجب ان تعيش بقيمها وتدور بفلكها وتكون حليفة لها كقلعة حصينة في وجه الدب الروسي المستيقظ من سباته الشتوي منذا انهيار الاتحاد السوفييتي.. فمنذ اندلاع ثورة الميدان في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2013 تصرف اليهود بحنكة وذكاء فلم نسمع تصريحات أو مواقف يهودية واضحة من الأزمة، بخلاف بعض الدول العربية التي تسرعت بإتخاذ مواقف غير حكيمة من وجهة نظرنا في هذه القضية، وبقي الصمت اليهودي مُطبقا الى ان ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وبعد قيام بعض المسلحين المدعومين من الدب الروسي في شرقي البلاد باحتلال مباني والمطالبة باستفتاء من أجل الفيديرالية أو الإنفصال عن أوكرانيا، عندها بدأ اليهود يتحركون ويبرزون مشاركتهم بـ "مشروع" أوكرانيا الجديدة.
ونود أن نورد لكم ما كتبه المفكر والمؤلف التاريخي الايطالي الكبير نيكولو ميكيافيللي في القرون الوسطى، ثلاث عبارات في ثلاث مؤلفات مختلفة: "أفضل طريقة لتصبح لاعبا ذكياً وماهراً ان تلعب مع لاعب أكثر ذكائا ومهارة منك".. و"القاعدة الأولى في الاعمال الحرة هي الدفاع عن الاستثمارات" و"الحرب لا يمكن تجنبها وانما يمكن تأجيلها لصالح عدوك".. هذه العبارات الثلاثة تتحدث عن قواعد رجل الأعمال الناجح ولاعب الشطرنج البارع وجنرال الحروب الرابحة.. وقد جسدها "ايغور كولومويسكي" رجل الأعمال اليهودي الأصل المولود في مدينة دنيبروبيتروفسك والمترأس لمجلس ادارتها بعاد نجاح ثورة الميدان في شباط/فبراير من العام 2014 فقد طبق هذه الاقوال الثلاثة ليظهر اجادته لانشاء الاعمال الناجحة وبراعته في لعبة الملوك والاباطرة وفنه في ادارة الحروب.
فقد استطاع ايغور كولومويسكي ان يخدع رجل الاعمال الروسي رومان أبراموفيتش عضو مجلس الدوما الروسية سابقا ورئيس إحدى الحكومات الذاتية الفيديرالية في روسيا الاتحادية وهذا بشهادة الرئيس الروسي بوتين نفسه، فقد لعب ايغور كولومويسكي مع من هو اذكى منه وربما اقوى ليزداد ذكاءً ومكراً. وتحالف بعدها في أوكرانيا مع رجل الاعمال اليهودي الاصل من مدينة خاركوف "فاديم رابينوفيتش" ليتمكن كولوميسكي من تقوية وزيادة رقعة شركاته في مجالات النفط والصناعات الكيميائية الضخمة وشركات الوقود القوية وأكبر بنوك أوكرانيا وبالطبع لم يتاخر عن الاسثمار في مجال الاعلام ليجمع بكف يده الواحدة حزمة أسهم من أكبر المؤسسات الاعلامية المرئية والمسموعة والمقروئة سواء الورقية أو الالكترونية ولو استطردت بسردها لاحتاجت اسمائها لعدة صفحات ولكن يكفي أن اذكر أهم هذه المؤسسات الاعلامية فبعد امتلاكه لعملاق البنوك "بريفات" تمكن من تملك وكالة "أونيان" للانباء وقناة "1 + 1" وكل ما ينبثق عنها وتأسيس أكبر القنوات في أوروبا "القناة اليهودية الأولى" الناطقة بخمسة لغات من بينها الروسية والعربية اضافة لقنوات اخرى وعشرات الصحف الالكترونية والورقية، عدى عن استثماره في اندية كرة القدم "نادي دنيبرو" والكثير من المجالات الأخرى.
وبعد اندلاع الأعمال المسلحة وسيطرة الموالين لروسيا على مباني حكومية في مدن الشرق الأوكراني وبروز شبح الانفصال لهذا الاقليم عن أوكرانيا والبقاء موالياً لروسيا أو جزءاً منها، تحرك كولومويسكي بسرعة وشجاعة "هو ومن خلفه" للدفاع عن استثماراته ومصانعه في شرق أوكرانيا متحديا بذلك أكبر رجال الاعمال في أوكرانيا وأكثرهم ثراءً وهو "رينات اخيموتوف" الممول لحزب الاقاليم الموالي لروسيا، معلناً بذلك مشاركته بمشروع "أوكرانيا الجديدة"، وفي الوقت الذي يحصي "رينات اخميتوف" وحزب الاقاليم خسائرهم يحصد كولومويسكي ارباحة.. بل سيكون له التاثير الاكبر والحظ الاوفر من الاقتصاد والسياسية في حال تعافت أوكرانيا من ازمتها ونجحت في حفظ أراضيها وعدم انفصال الشرق عنها، وفي الوقت الذي يعاني الجيش الأوكراني من أزمة الفساد والتمويل أظهر كولومويسكي "وطنية" وانتماء لبلده أوكرانيا عندما قام هو وأحد شركائه في مجال النفط بتزويد جميع مدرعات الجيش الاوكراني في الشرق بالمحروقات ليرسي بعد ذلك على هذا "الوطني" اول عطاء من وزارة الدفاع الأوكرانية بقيمة 16.4 مليون دولار وما هي إلا صفقة أولية بسيطة في مشوراه الطويل كسدة رمق من الحكومة الجديدة.
وتعدى كولومويسكي ذلك بعد اعلانه عن تخصيص مكافئة نقدية كبيرة لكل من يساعد بالقبض على الانفصاليين الموالين لروسيا أو المساعدة باخلاء مباني حكومية، ولكن اسثماره الأكبر والجديد في الدولة الاوكرانية الفتية هو تمويله التام لكتيبة المهمات الخاصة "دنيبرو – 1" لدى وزارة الداخلية الأوكرانية من المواطنين أبناء الشرق الأوكراني مُؤرقا بذلك نوم بوتين وروسيا ومعلنا عن رواتب سخية جدا لكل من يلتحق بهذه الكتيبة لنرى نتائجها بعد أيام من طوابير الراغبين بالانضمام اليها متحديا بذلك بوتين نفسه الذي قال في آخر لقاء له على الهواء مباشرة مع سكان سيفوستوبول "بأن رواتب العسكريين الروس تساوي أربعة اضعاف نظرائهم الأوكران" ليقدم كولوميسكي لهذه الكتيبة رواتب تضاعف رواتب الضباط الروس أنفسهم، وبعد ان أعلن المسلحون في اقليم دونيتسك "جمهورية دونيتسك الشعبية" أعلن كولومويسكي عن تأسيسه لكتيبة جديدة بنفس المسمى "دونباس" وتحت لواء وزراة الداخلية الأوكرانية من أهم اهدافها الدفاع عن سكان اقليم الدونباس متحديا بشكل علني الانفصاليين ومن يقدم لهم الدعم. كولومويسكي "وأصدقائه" قرروا وبشكل حاسم حماية استثماراتهم في الشرق الأوكراني بل قرر الاستثمار في أوكرانيا الجديدة ككل.. وحرق جميع جسور العودة في حالة فشلت أوكرانيا في منع الاقاليم من الانفصال، فقد هاجم وبشكل علني فلاديمير بوتين ناعتاً إياه بـ"منفصم الشخصية" والمريض نفسيا.. أما القاعدة الثالثة فلم يسهى عنها اليهودي الأوكراني كولومويسكي حيث قرر عدم تأجيل الحرب لان ذلك سيصب في مصلحة عدوه وعدو أوكرانيا "الروسي" فقد اختار حليفة وطنه أوكرانيا بشكل واضح وصريح وما جاء بعده من معاداة للسامية في الأقاليم الشرقية وبالرغم من نفي الانفصاليين لذلك الى ان أوروبا ستتحرك اليوم لانقاذ الشرق من مخالب الدب الروسي ليس حبا في الأوكران ربما وانما حفاظا على اليهود بها.. ثم خرجت دولة الكيان "اسرائيل" عن صمتها ولأول مرة منذ الازمة الأوكرانية لتصرح بأهمية اجراء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية المبكرة في مايو المقبل والذي ترفضة روسيا بشدة.
رجل الاعمال كولومويسكي "وأصدقائه" سيجنون ثمار "وطنيتهم" في أوكرانيا الجديدة وعندها لا يجب ان نستغرب بعد سنوات اذا ما لاحظنا تعاظم الهيمنة اليهودية على وزارة الدفاع والداخلية الأوكرانية وربما قرارات خارجيتها ستحسم لصالح اسرائيل، وسيعض العرب أصابعهم ويذهبون مرة اخرى للشكوى والتذمر من سيطرة اليهود و نفوذهم في الدول الغربية!!! أن ما سبق من سرد هو مثال حقيقي لأحداث واقعية تجيب على تساؤلات العرب كيف يتسنى لليهود السيطرة على دوائر صنع القرار و مقدرات الدول!! وهنا أتسائل ألا يوجد رجال أعمال عرب قادرين على الاستثمار في إعلام في أوكرانيا؟؟؟!! وأين دور الدول العربية التي تتمتع بإمكانيات وقدرات هائلة لا تدري أين تستثمر أموالها؟؟؟ أوليس الاستثمار في مشاريع الدول "الجديدة" من شأنه جعلها حليفة لنا و داعمة لقضايانا، أوليس ذلك أفضل من استثمرها بإستيراد أسلحة تقتل اطفالنا وتمزق أوطاننا؟؟؟!!! أم أننا أصبحنا عاجزين عن التفكير؟؟؟ أتمنى ان اكون مخطئ في تكهني.. ولكن التاريخ سيسرد والمستقبل سيكشف عن مسار أوكرانيا القادم ...
محمد فرج الله
رئيس تحرير أوكرانيا بالعربية
عضو نقابة الصحفيين الأوكران والنقابة الدولية للصحافيين
كييف ـ أوكرانيا بالعربية