هاني حبيب كان من المتوقع أن تدفع الولايات المتحدة 125 مليون دولار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، مع بداية الشهر الجاري، غير أن ذلك لم يحدث،
ما تم تفسيره على أن واشنطن قد قامت بالفعل بتنفيذ تهديدها بوقف مساهمتها المالية للوكالة الدورية؛ لإجبار الجانب الفلسطيني على العودة إلى طاولة المفاوضات، حسب ما جاء على لسان الرئيس الأميركي ترامب ومندوبة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية نيكي هايلي، وبينما أشار موقع "إكسيوس الإخباري" إلى أن الولايات المتحدة قد جمّدت تمويل الوكالة بالمبلغ المشار إليه فعلاً، جاء الرد الأميركي على لسان مسؤول في الخارجية الأميركية بأن التجميد لم يتم، وأمام واشنطن حتى منتصف الشهر الجاري لدفع الالتزامات المالية لوكالة الغوث، وإلى ذلك التاريخ فإن واشنطن لا تزال تجري المشاورات والمداولات لاتخاذ قرارها بهذا الشأن، في وقت أشارت وكالة الغوث إلى أنها لم تتسلّم أي قرار رسمي بهذا الشأن.
ولا شك في أنه لوقف أو تقليص دفع الالتزامات الأميركية لوكالة الغوث مخاطره الكبيرة على قيام الوكالة بدورها في مجالات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين، خاصة على ضوء تقاعس عدة دول ومنظمات دولية عن دفع التزاماتها للوكالة، وفي حين أن الولايات المتحدة ملتزمة بدفع ثلث ميزانية وكالة الغوث، فإن أي قرار بوقف التمويل أو تقليصه سيترك آثاره الكارثية على اللاجئين الفلسطينيين.
وقد سبق للولايات المتحدة أن هدّدت مرات عديدة بمثل هذا الوقف أو التقليص، وقامت فعلاً بوقف دفع التزاماتها نحو منظمة "اليونيسكو" بعد قبول فلسطين عضواً فيها، إلا أن تهديداتها السابقة بوقف أو تقليص التزاماتها نحو وكالة الغوث لم تجد طريقها للتنفيذ، ويعود "تقاعس" واشنطن عن تنفيذ هذه التهديدات في واقع الأمر، لأسباب عديدة، أهمها أن إسرائيل نفسها تعارض توقف الولايات المتحدة عن دفع التزاماتها للوكالة خشية من أن تؤول مهمة إعانة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية، داخل فلسطين المحتلة تحديداً، إليها، وكذلك فإن منظمة "الأيباك" الصهيونية الداعمة للدولة العبرية في الولايات المتحدة، سبق وأن رفضت دعم تشريعات ناقشها الكونغرس لوقف تمويل وكالة الغوث لنفس السبب الإسرائيلي. وبدلاً من ذلك، طرحت الدولة العبرية بدائل لهذا الوقف أو التقليص، منها: أولاً، فرض رقابة على ميزانية "الأونروا" وإنفاقها حتى لا تذهب بعض الأموال إلى فصائل إرهابية، كما تزعم إسرائيل، وثانياً، العمل على إعادة تعريف اللاجئ، وعدم منحها لكل فلسطيني يولد في مخيم للاجئين، بل إن اللاجئين وفقاً للمفهوم الإسرائيلي، هو من غادر فلسطين المحتلة عام 1948، وصفة اللاجئ وفقاً لهذا المفهوم لا تورث(!)
البدائل أو التعديلات الإسرائيلية على وكالة الغوث ومهامها وبنيتها وميزانيتها، سبق وأن نوقشت مع الإدارات الأميركية أكثر من مرة، خاصة بعد توقيع اتفاق أوسلو بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية في أيلول 1993، عندما ادعت إسرائيل أنه لم تعد هناك حاجة لوجود لاجئين فلسطينيين بعد هذا الاتفاق، فقد أصبح لديهم "وطن" على أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية بما يلبي "حق العودة" بالعودة إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية(!).
الحديث المتواتر والمتواصل في الأيام الأخيرة حول التمويل الأميركي للوكالة، لا يجب أن يظل في إطار تداول الأرقام، بين وقف التمويل أو التقليص، فرغم أهمية هذا الأمر والآثار المترتبة عليه، إلاّ أن تجاوز المسألة المالية والتمويلية يجب أن يظل مستهدفاً الآثار السياسية لمثل هذه القرارات، فالمسألة لم تعد مجرد التزامات إنسانية أو أخلاقية وإغاثية فحسب، بل إن الهدف من وراء مثل هذه القرارات، هو تفكيك نهائي لوكالة الغوث باعتبار ديمومتها تتماثل مع ديمومة الصراع السياسي والحقوق الفلسطينية بعودة اللاجئين إلى القرى والمدن التي نزحوا، أو نزح أهلهم عنها منذ العام 1948، تفكيك وكالة الغوث، وإحالة مهامها الأولية الإغاثية إلى أي جهة أخرى، هو هدف إسرائيلي ـ أميركي لإلغاء الطابع السياسي لوجود وأهداف استمرار وكالة الغوث، وقد أوضح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في منتصف العام الماضي، زاعماً أن بقاء وكالة الغوث يعمل على تأييد الصراع ويشكل مساهمة فعالة في عدم حله، وأن مدارس الوكالة تستخدم كمخازن للسلاح وأماكن لإطلاق الصواريخ، وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته بنتيجة التحقيقات التي أجرتها وكالة الغوث.
يعلم نتنياهو أن أمر ومستقبل "الأونروا"، وفقاً لقوانين الأمم المتحدة، وما جاء في قرار تأسيس وكالة الغوث عام 1949، يتطلب تصويتاً في الجمعية العامة، ولذلك فإنه سيلجأ في الغالب إلى الكونغرس الأميركي لإصدار قوانين من شأنها، وقف أو تقليص التزامات واشنطن المالية إزاء وكالة الغوث!