راسم عبيدات المذبحة الرهيبة التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية بحق المصلين في مسجد الروضة في شمال رأس العبد بسيناء، تدلل بشكل قاطع أن الإرهاب والإجرام والمشروع والأدوات التي عملت في ليبيا وسوريا والعراق واليمن،
هي نفسها من قامت بهذه المجزرة الرهيبة، ومصر كما هي سوريا والعراق وسوريا، كانت وما زالت في دائرة الإستهداف المباشر للمشاريع المعادية، ومشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي - الغربي الإستعماري للمنطقة استهدف ويستهدف ثلاث دول مركزية عربية العراق، سوريا ومصر، لكونها تمتلك جيوشاً قوية، ومؤسسات دولة ومجتمع مدني، تشكل خطراً مباشراً على الوجود الإسرائيلي والمصالح الأمريكية والغربية الإستعمارية في المنطقة، وكذلك هي المرشحة لكي تكون رأس الحربة والرافعة لقيادة مشروع وحدوي قومي عروبي، يخرج المنطقة من تحت العباءة الأمريكية، وبهدف منع تحقيق ذلك جاء مشروع الفوضى الخلاقة لتقسيم المقسم في المنطقة، عبر فك وتركيب الجغرافيا العربية على تخوم المذهبية والطائفية والتقسيم الثرواتي، ليرث سايكس- بيكو القديم.
لا شك بأن مثل هذه العملية وبهذا الحجم والعدد والإمكانيات التي امتلكها واستخدمها الإرهابيون في التخطيط والتنفيذ، تدلل بشكل قاطع بأن خلف تلك الجماعات قوى عربية وإقليمية ودولية، هي من عملت وساعدت في تقديم الدعم اللوجستي والعسكري والإستخباري لها لتنفيذ جريمتها، والمشروع المعادي يريد أن يبقي المنطقة العربية في حالة من الإستنزاف الدائم وعدم الإستقرار وتوالد الحروب والأزمات، فبعد الهزيمة الكبرى التي منيت بها هذه الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، خاصة بعد تحرير البوكمال السورية والقائم العراقية، وسقوط ما يسمى بمشروع دولة الخلافة "داعش" في بلاد الشام والرافدين، جرى بشكل سريع بتعاون أمريكي- اسرائيلي -سعودي نقل تلك الجماعات الإرهابية إلى سيناء، لكي يتواصل المشروع ويستمر في استنزاف مصر، ويضربها في صميم أمنها واستقرارها، حيث هنا لا خلاف بأن هذه العملية الإجرامية والعملية الإجرامية السابقة التي استهدفت الجنود المصريين في منطقة الواحات، المستهدف فيها الأمن القومي المصري، ومحاصرة وتطويق مصر بالإرهاب والجماعات الإرهابية عبر ليبيا وسيناء، وممارسة الضغوط عليها، من خلال تحريض أثيوبيا والسودان على إفتعال أزمات معها حول شريان مصر المائي، نهر النيل بإقامة السدود الأثيوبية على منابعه لتعطيش مصر.
كما أن الأمن القومي العربي عامة مستهدف من خلال هذه العملية، فهناك حاجة ماسة لمنع عودة مصر إلى ممارسة دورها القيادي في المنطقة العربية، حيث تسعى السعودية إلى تقزيم هذا الدور وجعله ملحقاً وتابعاً لها ولمواقف بعض الدول الخليجية على خلفية أزمتها المالية، وقيام مصر بخطوات جدية نحو ترتيب الملفات الفلسطينية واللبنانية والسورية، سبب مباشر لهذه المجزرة الرهيبة ورسائل بالدم أرسلتها إسرائيل لمصر، إسرائيل التي تحاول جاهدة خلط الأوراق، بعد الهزيمة والفشل للمشروع المعادي في سوريا والعراق، مصر تقود المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية وتقود التهدئة في لبنان بالتعاون مع فرنسا، لمنع تفجر الأوضاع، حيث عملت السعودية من خلال احتجازها لرئيس الوزراء اللبناني وإجباره على تقديم استقالته، بغرض خلق مناخات تحريضية وأجواء معادية لحزب الله، تدفع نحو تفجير الوضع الداخلي اللبناني، وتمهد لشن حرب عدوانية إسرائيلية بالوكالة عن السعودية على حزب الله ولبنان، ولكن حكمة الأطراف اللبنانية وتوحدها، وقدرتها العالية على معالجة الأزمة، وإصرارها على إطلاق سراح رئيس الوزراء اللبناني، وما مورس من ضغوطات إقليمية ودولية، أفشل هذا المخطط، وليعود الحريري إلى لبنان ويتراجع عن استقالته، بتعاون مصري – فرنسي، هذا التراجع، حتماً لا يعجب إسرائيل والسعودية، حيث جرى كشف محاولة إسرائيلية لإغتيال وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق والوزير السابق عبد الرحيم مراد، لدفع الوضع اللبناني نحو التصعيد والتفجير.
مصر تجري ترتيباتها للوضع العربي وإستعادة مكانتها ودورها في قيادة الأمة العربية، وهذا عليه "فيتو" كبير من قبل أقطاب المشروع المعادي، فالمشروع الثلاثي الإسرائيلي- السعودي- الأمريكي قائم على التصعيد، وكما نلمس ذلك في سوريا، حيث أمريكا تحاول تعطيل الحل السياسي والإبتزاز بعد سقوط حجج وجود قواتها في سوريا لمحاربة "داعش"، بالإبقاء على قوات إحتلالها هناك.
لا شك بأن مصر تقف على رأس أولويات الحلف المعادي، بإستهدافها من خاصرتها الرخوة سيناء، بسبب اتفاقيات كامب ديفيد التي تكبل حركة الجيش والقوات المصرية في سيناء، وهذه العملية جزء من أهدافها، منع مصر من استكمال دورها في متابعة تحقيق المصالحة الفلسطينية، ورفع الحصار عن قطاع غزة، من خلال فتح معبر رفح، وكذلك المطالب الإسرائيلية والأمريكية والسعودية لتحقيق المصالحة الفلسطينية واضحة، تطويع المقاومة الفلسطينية لكي تكون جاهزة لما يسمى بصفقة القرن، يستدعي نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وتدمير الأنفاق، وقطع العلاقات مع طهران والضاحية الجنوبية، ومنع التخندق في محورها، وخاصة بعد خطاب سماحة السيد حسن نصرالله بأنه أرسل صواريخ كورنيت إلى القطاع، تلك الصواريخ التي تشكل خطراً جدياً على قوات الدروع والدبابات الإسرائيلية.
ولذلك بات من الضروري والملحّ على القيادة المصرية، أن تباشر بخطوات عملية على الأرض لحماية أمن مصر واستقرارها، والذي يشكل درعاً حصيناً لصيانة الأمن القومي العربي، وهذا يتطلب، نقل التحالف مع سوريا ومحور المقاومة إلى درجة علنية لا تقبل التأويل، فالتريث وخصوصاً بأن من تتشبث بالعلاقة مصر معهم من مشيخات الخليج هم جزء من المؤامرة على مصر وأمنها واستقرارها ودورها، وكذلك لا بد من عملية حرث واجتثاث عسكري ومادي وفكري لكل تلك الجماعات الإرهابية وبيئتها وحواضنها ومؤسساتها المجتمعية والدينية والإغاثية والخدماتية، وكل وسائل إعلامها، وقيادة عملية إصلاح وتنمية اقتصادية تحرمها من أوراق قوتها واستغلالها لحالة الجوع والفقر التي تعاني منها الجماهير، وبما يمكنها من استقطابها والتأثير عليها..
مصر عليها أن تكمل دورها في معالجات وترتيب الملفات العربية، فلسطينياً وسورياً ولبنانياً ويمنياً وليبياً، فهي جزء أساسي من أمنها وسياجها القومي، وتدخل في صميم الأمن القومي العربي.
عزاؤنا لمصر ولشعبها ولكل أهالي شهدائها من المصلين، وحتماً ستنتصر مصر على الإرهاب، كما انتصرت عليه سوريا والعراق.