كيبورك يعقوبيان الأرمني المصري والمطلوب إسرائيلياً هو إحدى الصفحات المشرقة للمخابرات المصرية
أحمد البديري – إعلامي مقدسي
قبل أن يكون سمير القنطار ومروان البرغوثي وكريم يونس كان كيبورك يعقوبيان. في 29 من أبريل/نيسان عام 66 من القرن الماضي تمت عملية تبادل بين مصر و"إسرائيل" ولعلها من أشد عمليات التبادل وطأة لأنها كانت تضم أخطر عدو "لإسرائيل" آنذاك فقبل الجبهة الشعبية وفتح وحماس كان كيبورك يعقوبيان الشاب الأرمني المصري ابن البلد صاحب هواية التصوير والمتورط كسلفه رفعت الجمال أو رأفت الهجان بعمليات تمس بالصالح العام. زج بالسجن لتقتنص المخابرات المصرية شخصية ذكية وتتحدث 4 لغات ومستعدة للتضحية من أجل مصر.
قصة كيبورك طويلة تبدأ من زياراته المتكررة للمعبد اليهودي والهجرة متخفياً إلى البرازيل وفي النهاية هدفه ليس الانخراط في نخبة المجتمع الإسرائيلي كما رفعت الجمال بل الانخراط في الجيش الإسرائيلي بل وحتى الوحدات الخاصة أو الاستخبارات إن استطاع. نجحت الخطة التي وضعت من قبل المخابرات المصرية ومع مرور الوقت بدأ يتحساق كوتشاوك وهو الاسم اليهودي اليوناني لكيبورك بإرسال المعلومات الاستخبارية لكن ليس قبل أن يخضع لعملية ختان في إحدى مستشفيات القاهرة قبلها بسنوات وتدرّب على يد نخبة المخابرات المصرية.
في النهاية شك في كيبورك حسب التحقيقات الإسرائيلية شرطي مصري إسرائيلي في عسقلان و"الشاباك" أصلاً كان قد اعترض رسائله المشفرة والتي تم تفكيك شفرتها فألقي القبض عليه.
صفعة مصرية غير متوقعة
محاكمة كيبورك كانت صعبة على القضاة والمحققين فإسم كيبورك في المحكمة كان الحوت الممتلىء بالمعلومات والمفاجأة أن المخابرات المصرية وصلت بجواسيسها إلى عمق الجيش الإسرائيلي بل إلى دائرة العقيد شمعايا يكنشتاين الذي عمل كيبروك مساعداً له فاطلع على طائرات الميراج وصور مطارات "إسرائيل" بما فيها بن غوريون وأرسل معلومات حول تسليح الجيش الإسرائيلي فشمعايا كان أحد قادة "الهاجانا" وصاحب علاقات واسعة مع العسكريين الإسرائيلين المتنفذين. المفاجأة كانت وجود نية مصرية لبناء شبكات تجسس في "إسرائيل" وهذا شكّل عبئاً على "الشاباك" وضرورة تشكيل شبكات مضادة لكشف الشبكات خاصة في وقت كان التجسس أمر مستجد في الصراع العربي الإسرائيلي.
مطلوب إسرائيلياً
حكم على كيبروك بأقصى عقوبة لم يمض منها سوى عامين حتى نقل مع اثنين من الفدائيين لتبادله مع ثلاثة تجار إسرائيلين أرادوا شراء بطيخ من قطاع غزة فألقي القبض عليهم. ما أغضب الإسرائيلين أن كيبروك كان الأخطر ومقابله كان مدني إسرائيلي وأنذاك كانت عمليات التبادل تتم بالمثل نوعاً وعدداً ورتبة. ابتسم كيبروك وعاد إلى القاهرة ليتوارى عن الأنظار كبقية الجواسيس المصريين بتواضع واحترام. كيبروك كان دائماً على أعلى لائحة المطلوبين للاغتيال فهو الأخطر وصفقة التبادل كانت محرجة و"إسرائيل" لا تنسى الصفعات.
الأرمن لم يكن لهم دور سياسي مهم في الصراع العربي الإسرائيلي أو على الأقل هكذا كان يروّج لكن كيبورك كسر وسيكسر مستقبلاً أي مقولة تؤيد أن الأرمن مجتمع غريب لا يسعى للمشاركة الفعّالة في الصراع لأنه ليس عربياً ولا إسرائيلياً صهيونياً. كيبورك كان بطلاً عربياً بشهادة مصرية وبختم ضباط "الشاباك" الذين عذبوه. انتهت مهمة كيبورك قبل حرب 67 بعام ولم تنجح مصر كدولة بتفادي الهزيمة ولكن هناك طرف مهم نجح وانتصر.
المخابرات المصرية انتصرت يوم الهزيمة
مشهد محمود عبد العزيز في مسلسل رأفت الهجان معاتباً ضباطه بعدم الاستفادة من المعلومات الهامة التي قدّمها قبل أيام من بدء الغزو تشير إلى أن المخابرات المصرية أدت الدور الذي عليها كاملاً وهو توفير معلومات هامة وصادقة وفعّالة وبسرعة للقيادات السياسية والعسكرية وقد فعلت ذلك. رفعت الجمال وكيبورك وغيرهم أدوا ما عليهم وانتصروا في جبهتم الخاصة ليس الجبهة الجنوبية أو في الجو أو في البحر بل في جبهة المخابرات والمخابرات المضادة لكن الحرب تتقرر بمجموع الجبهات والتي سقطت كلها في النكسة إلا جبهة المخابرات التي لم تنهار أبداً.
سمير القنطار قتل عائلة إسرائيلية ومروان البرغوثي خطط لقتل إسرائيلين وأحمد ياسين قائد لفصيل "إرهابي". هكذا هي التهم الإسرائيلية اللامتناهية لكل من شارك في النضال من أجل فلسطين وقضية الأمة العربية الأولى، لكن في الخمسينات والستينات قبل نشوء فكرة الكفاح المسلح والتضحية المطلقة من أجل الوطن وقف كيبورك في محكمة إسرائيلية وهو لا يعلم أن بعد سنوات قليلة سيفتح باب الاختطاف والتبادل بين العرب و"إسرائيل" والذي لم يغلق للآن.