راسم عبيدات واضح بأن إسرائيل ومن بعد انتصار القوى اليمينية في امريكا وبريطانيا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، وفي ظل استمرار الحالة الفلسطينية في التشظي والإنقسام، وتوفر اجواء عربية مريحة لها من جل نقل علاقاتها معها من الشكل السري الى الشكل العلني،
وبما يشمل اقامة علاقات تنسيق وتعاون وحتى تشكيل احلاف مشتركة معها، كنتاج لحروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية، وبعد ان رسخت وترسخت في أذهان القيادات العربية بأن العدو الرئيسي للأمة العربية والخطر على امنها وعروشها، هي ايران وليست اسرائيل التي تحتل الأراضي العربية وتمعن في قهر شعوبها وإذلالها.. هذه العوامل وفرت قناعات عند القوى والمركبات الصهيونية المتحكمة بمفاصل الدولة والحكم في اسرائيل، الترويكا الثلاثية اليمينية المتطرفة (نتنياهو، بينت وليبرمان)، والأجهزة الأمنية الإسرائيلية ومراكز البحث الإستراتيجي الإسرائيلية، بأن هذه فرصة تاريخية من أجل تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، وتفكيك المشروع الوطني الفلسطيني، حيث وجدنا هناك اصرارا اسرائيليا على عدم اعتبار القضية الفلسطينية جوهر الصراعات واساسها في المنطقة، وبأن حل الدولتين غير واقعي وغير قابل للتحقيق، بل يجب العمل والبحث على دفع الفلسطينيين الى خيارات سياسية أخرى، ليس حل الدولة الواحدة التي يعيش فيها الجميع بمواطنة متساوية بالوارد فيها، بل حل يمكن من تحقيق الحلم الصهيوني بإبتلاع القدس والإجهاز عليها بشكل نهائي، وضم اغلب الضفة الغربية، وطرح الفائض من اراضيها عن حاجة الأمن الإسرائيلي الى خيارات ومشاريع سياسية وحلول مؤقتة بعيدة المدى. هذه الحلول قد تأخذ عدة أشكال بناء على التطورات والمتغيرات والتحالفات التي قد تنشأ في المنطقة، فأحد الخيارات المطروحة تتمحور حول فيدرالية فلسطينية – أردنية، أو إطار اقتصادي اسرائيلي - فلسطيني، بحيث يجري تأبيد وشرعنة الإحتلال مقابل تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بتمويل من الصناديق العربية والدولية، ولذلك يجري الدفع بقوة لحمل الفلسطينيين للموافقة على مشروع سياسي جديد يتجاوز ويقفز عن حل الدولتين برغم كل مثالبه ومساؤه، من أجل ان يتم انتاج اوسلو جديد بطبعة ونسخة أكثر سوءًا من اوسلو السابق.
ولتحقيق ذلك رأينا الشروط التي حملها المستشار الخاص للرئيس الأمريكي جيسون غرينبلات في لقائه مع الرئيس عباس في رام الله، والتي اشتملت على توجيه رسائل قاسية عودة الى المفاوضات بدون أية شروط، وعدم ربط العودة بوقف الإستيطان، وتجريم النضال الوطني الفلسطيني، بمطاردة وملاحقة المقاومين ومرسليهم، ووقف صرف الأموال لأسر الشهداء والأسرى، ووقف التحريض ..الخ.
ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك لخدمة المشروع والمخطط الإسرائيلي لتحقيق هذا الغرض والهدف، فهي سعت وتسعى الى تشكيل ما يسمى بـ"الناتو" العربي، (المحور السني)، بحيث يكون جزء من المحادثات والمفاوضات الإقليمية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وتكون له مهمة ودور في دفع الفلسطينيين للموافقة على خيار الحلول السياسية المؤقتة، وهي تستبق زيارة الرئيس عباس لواشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي والإدارة الأمريكية، بمواقف متطرفة تشكل هجوماً وعدواناً على الشعب الفلسطيني.
وفي هذا الإطار يمكننا ان نلحظ بشكل واضح عدة دلائل، بأن الأمريكان يشنون حرباً شاملة على قضيتنا ومشروعنا الوطني، حيث جرى تعيين المتطرف اليميني "ديفيد فريدمان" والمعروف بمواقفه الداعمة للإستيطان بكل أشكاله وفي كل بقعة من فلسطين كسفير لأمريكا في تل أبيب، والأخطر من ذلك الهجوم الأمريكي على خيار "تدويل" الحقوق الوطنية الفلسطينية، فعلى سبيل المثال لا الحصر رفضت وأفشلت الإدارة الأمريكية تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض كرئيس لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وكذلك مارست ضغوطاً كبيرة على الأمين العام للأمم المتحدة من اجل سحب التقرير الذي أصدرته "الأسكوا" اللجنة الاقتصادية الإجتماعية التابعة للأمم المتحدة، هذا التقرير الذي يصف دولة الإحتلال بأنها دولة "أبارتهيد" فصل عنصري، وبأنها تعمل على تفتيت الشعب الفلسطيني سياسياً وجغرافياً. وسحب هذا التقرير من الصفحة الإلكترونية للأمم المتحدة، دفع بالمديرة التنفيذية للجنة السيدة ريما خلف للإستقالة من منصبها، ويضاف الى ذلك رفض أمريكا ادراج البند السابع المتعلق بحقوق الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال للنقاش في مجلس حقوق الإنسان، حيث انسحبت أمريكا وعدد ليس بسيط من الدول الأوروبية الغربية، احتجاجاً على ذلك متهمة المجلس بالتحييز لصالح الشعب الفلسطيني.
كما أن إسرائيل رفضت الموقف الأمريكي الداعي الى وقف الإستيطان خارج الكتل الإستيطانية الكبرى وفي المستوطنات المعزولة، واعتبرت بأن مثل هذا الإلتزام، يهدد الحكومة بالسقوط ومن الصعب تسويق هذا الموقف.
ولم يستهدف الهجوم تلك الجبهات فقط، حيث نلحظ هجمة واسعة على التعليم والمنهاج الفلسطيني تحت حجج وذرائع التحريض، فقد جرى طرح هذا الموضوع في لقاء نتنياهو – ترامب في واشنطن، وفي لقاء مستشاره الخاص غرينبلات مع الرئيس عباس في رام الله، وكذلك يعمل وزير التربية والتعليم الإسرائيلي المتطرف "بينت" على أسرلة العملية والمنهاج الفلسطيني في القدس، في تشويه للوعي والذاكرة الفلسطينية، وحرب على الثقافة والهوية والوعي والكينونه والانتماء والوجود الفلسطيني.
وقد انضم لتلك الحملة وكالة الغوث واللاجئين حيث تعكف دائرة التعليم في وكالة الغوث "الأونروا" على إجراء تعديلات جذرية على المناهج الدراسية الفلسطينية، بما يمس الهوية الوطنية الفلسطينية وطرح العديد من المعلومات المحرفة عن جغرافيا وتاريخ فلسطين، بما يشمل استبدال كلمة وخارطة فلسطين وبعض المدن الفلسطينية، وحذف نشاط ليوم الأسير، وعدم الإشارة الى الاحتلال بأي شكل او التطرق لجدار الفصل العنصري والمستوطنات، والتعديلات الثلاثة وخمسين المقترحة تشمل كتب اللغة العربية والإنجليزية والعلوم والرياضيات والعلوم الاجتماعية والتربية الإسلامية، وقد رفضت وزارة التربية والتعليم العالي بشكل قاطع أي تعديل يمس المناهج الدراسية الفلسطينية، وان وكالة الغوث مطالبة بتطبيق مناهج الدولة المضيفة وفق قواعد القانون الدولي، وبأنها ستتخذ إجراءات عقابية بحق من يحاول التحريف او التلاعب او التغيير في المناهج الدراسية.
الحرب الشاملة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني ومشروعه وقضيته الوطنية، الهدف منها التصفية للقضية والتبديد للمشروع الوطني، وفرض شروط وإملاءات إسرائيلية على شعبنا الفلسطيني، ولعل المرحلة من اخطر المراحل التي يتعرض لها شعبنا، ورغم كل تلك الصعاب والتحديات، فما زالت القيادات الفلسطينية دون مستوى المسؤولية والتحديات، ولذلك لا نريد أن نستمر في القول، بأن المرحلة تحتاج الى الرجال الرجال، الى خطوات جدية وحقيقة تضع المصالح العليا للشعب الفلسطيني فوق المصالح الفئوية والحزبية والصراع على سلطة منزوعة الدسم، المرحلة تحتاج الى نقلة نوعية في الرؤيا والمواقف، بحيث ينتهي الإنقسام وتستعاد الوحدة الوطنية، على قاعدة برنامج سياسي موحد وجامع، ورؤيا وطنية جمعية واستراتيجية نضالية كفاحية قائمة على الصمود والمقاومة، بعيداً عن رهن حقوق شعبنا لمسار ونهج المفاوضات العبثية والتغير في الإدارات الأمريكية والإسرائيلية.