وليد الهودلي لن نجد صورة تذرف العين وتدمي القلب مثل تلك التي رأينا فيها الأم الفلسطينية وهي تحمل نعش ولدها.
لقد انتظرت طويلاً الإفراج عنه وعناقه في فضاء الحرية فإذا به يخرج إليها ممدداً على أكتاف الرجال، لا حراك ولا كلام ولا سلام، جسد مسجى يشع نوراً ويعلن حالة غضب لا توصف على هذا الاحتلال البغيض.
بدأت سلسلة شهداء الحركة الأسيرة منذ نشأة الاحتلال ولم ولن تتوقف ما دام الاحتلال موجوداً.. فهل هذا قدرنا أن تشيع أمهات أسرانا أبناءهن الذين غيبتهم السجون سنوات طويلة لتأتي الفاجعة ولتحمل أم الأسير نعش ولدها وتهيل الثرى على قبره ليعانق الأرض قبل أن تحظى بعناقه ولو مرة واحدة.
لن يكون المشهد الذي رأيناه لهذه الأم العظيمة وهي حاملة لنور قلبها وفلذة كبدها على كتفها؛ أليماً فحسب ولن يكفي التعبير عن المشهد بالقول:
"أنها قد حملت أحزان الدنيا بأسرها وأنها قد تلقتها وجبة واحدة لا حدود لقسوتها وعنفها الموجع حتى النخاع". بالفعل كان المشهد فاجعاً لكل من رآه ولقد كان أشد ألماً وقهراً من كل مشاهد الموت والقتل البطيء الذي عاشته هذه الأم طيلة ذهابها إلى السجون لزيارته ولزراعة الطمأنينة المتبادلة في صدره وصدرها. كان يبدو مبتسماً ومتعالياً على الجراح وزجاج السجن يفصل عالمه عن عالمها وبين قلبه وقلبها سيل عرم من المشاعر المكبوتة وحرقة القلوب المكلومة.
ما أعظم صبر هذه الأم الفلسطينية.. كيف احتملت كل هذا الألم وكيف وقفت على قدميها وسارت في هذا الموكب المهيب، أعتقد أن العوالم كلها قد شعرت بهذا القلب الكبير وسمعت وجيبه، ولقد وصلت رسائل هذا المشهد لكل حر أبي ألقى سمعه وهو شهيد: "أنظروا إلى الأم الفلسطينية كيف تشيع ولدها إلى السجن تارة وإلى مثواه الأخير تارة أخرى طواعية حبا لفلسطين وإيماناً بعدالة هذه القضية.. لن يثنينا إجرامكم عن التشبث بحقنا ما دام فينا عرق ينبض.. لن نتوانى عن دفع أرواحنا وفلذات أكبادنا ولن يتوقف هذا العطاء حتى ترحلوا أو نرحل، هي بيننا وبينكم كالليل والنهار ولن يسمح النهار لليل بالبقاء ما دام فيه النور والضياء وقوة الحق الساطع".
هذا القرع العنيف الذي قرعه حمدوني لجدران مدفن الأحياء بالإضافة إلى قرع هذه الصورة يجب أن تحركنا باتجاه الوقف النهائي لسلسة شهداء الحركة الاسيرة، إذ يبدو أن استمر بنا الحال الذي يراوح مكانه بين الشجب والاستكبار فإن المسلسل الإجرامي سيستمر. لذلك فان من الضرورة بمكان أن نقوم بعمل ما كان يجب ان يقام عند أول شهيد. آن الاوان أن يطارد الاحتلال على الساحة الدولية قانونيا وهذا أقل ما يمكن أن يفعل في هذا الملف الخطير، وأتصور أن هذا المطلب هو محل إجماع لكل المشتغلين في شئون الأسرى والكل يطالب به ولكن تبقى الإجابة على سؤال: نطالب من؟ السلطة أم هيئة شئون الأسرى كونها تابعة لمنظمة التحرير أم مؤسسة من المؤسسات العاملة في شئون الأسرى وحقوق الإنسان ؟ من يستطيع أن يعلق الجرس ويخطو هذه الخطوة ؟ عند كل شهادة الكل يطالب دون تحديد الجهة المخولة قانونياً والتي تستطيع أن تتابع دون أن تستجيب لأية ضغوطات وسط الطريق. أعتقد أن الجهة المسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه المتابعة هي هيئة شؤون الأسرى ولا بد في هذا السياق من الرجوع إلى خبراء في القانون الدولي لمعرفة كل ما يلزم لهذا الأمر.