خلصنا في رواية "أمهات في مدافن الأحياء" أن العدوّان الرئيسيان للمرأة الفلسطينية هما الاحتلال والتخلف ، فمواجهة الاحتلال لنصف المجتمع المكون من الذكور خير له من مواجهة مجتمع كامل ذكورا واناثا ، لذلك فإن إزاحة المرأة عن دورها النضالي والتحرري وتقزيم وحشر دورها في زوايا ضيقة لا تتعدى المطبخ وجدران البيت فيه مصلحة للاحتلال ، أما العدو الثاني للمرأة فهو التخلف لانه أيضا حريص على سحق المرأة وشطب دورها في الحياة وربطها أحيانا بمزاجية رجل يريد لها أن تتردّى الى أسفل درجات السلم الانساني .
ولا بد وان نرى الفرق شاسع بين ما هو عليه المجتمع من عادات وتقاليد وثقافة وبين الدين الذي تسند اليه كثير من تصرفاتنا ظلما وعدوانا ، منها الفرق الهائل بين نظرتنا للمرأة ونظرة الدين ، فالدين باختصار جعل المرأة والرجل متساويين مكانة وقدرا وتكليفا ومسئولية وحملا للامانة ونشأة ومصيرا وعبادة وثوابا وجزاء ، وكل ذلك بكلمتين من القرآن : "بعضكم من بعض " او " وخلق لكم من أنفسكم أزواجا " وجعلها حياة متكاملة بين الجنسين محفوفة بالمودة والرحمة .. بينما تجد في ثقافتنا العجب العجاب ، " تزوج الصغيرة حتى تكون بيدك كالعجينة " ، فالرجولة والفحولة في الهيمنة وضبط انفاس المرأة على ايقاعات الرجل ، والعار لا يأتي الا من قبل المرأة بينما اذا زنى الشاب فانه أسد ولا غبار عليه .
وفي سياق مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية ، تصعقنا بين الحين والاخر قصة قتل امرأة او الاعتداء عليها ومسح كرامتها ، ونشر كرامة عائلتها على حبال الغسيل على خلفية هوس وظنون ، تنتاب من استفحلت رجولتهم في موجة غضب عارمة ، عادة ما تنتهي بارتكاب جريمة وفتح جرح في جسم العائلة لا ينتهي ألمه أبدا .
هي جريمة قتل عمد مهما كانت دوافعها أو مبرراتها ، وهي قتل نفس بغير نفس والقاتل يُنصّب نفسه قاضيا ومحاميا ونائبا للادعاء ومنفذا للحكم ، خلال دقائق يأخذ كل هذه الادوار ويرى بنفسه أنه يمتلك الحقيقة والعدالة بالاضافة الى كرامة العائلة وشرفها وعرضها وأنه حامي الحمى الذي لا يخطئ أبدا .
وقد تسبب في تكرار هذه الجريمة : تساهل القضاء وعدم انزال العقوبة التي تتناسب مع جريمة القتل العمد وكذلك الثقافة التي تبرر للقاتل جريمته ، لذلك لا بد من العمل على المستويين : القضائي وسن القوانين الرادعة وعدم التفريق بينها وبين أية جريمة قتل عمد . وكذلك لا بد من التوعية المجتمعية وان يقوم ائمة المساجد بدورهم وتفنيد هذا الفعل دينيا ، يكفي أن القران اعتبر من يقتل نفسا بغير نفس كانما قتل الناس جميعا ، فالعمل على ثقافة المجتمع في هذا الموضوع الحساس والخطير في غاية الاهمية . والعمل أيضا ومن منطلقاتنا ومرجعياتنا الفكرية بعيدا عن الاجندات الغريبة عن طبيعة مجتمعاتنا والمدعومة غربا وشرقا والتي تسقط ما يخص المرأة في سياقات تلك المجتمعات على سياق مختلف في مجتمعنا، فما تزيد المرأة عندنا الا خبالا وعنتا وتخلفا ولكن من نوع آخر ، فلا هي حققت ذاتها العربية ولا كانت غربية ولا شرقية بل هجينة مغتربة في وطنها ،لا بد هنا من أن ننتبه أن الاصلاح وتطوير وضع المرأة عندنا لا بد وأن يأتي ضمن سياقاتنا وبما يحافظ على هويتنا الثقافية الاصيلة ، وعندنا ما يكفي لتمارس المرأة دورها وتحفظ مكانتها وتتكامل مع الرجل لتشكل دورة الحياة الرشيدة .
اسراء غريب بلا شك هي ضحية للتخلف والظلم والقهر التي ما زالت تتعرض اليه المرأة رغم كل الجهود التي تبذل لاعطاء المرأة حقها ودورها الذي يتناسب مع مكانتها وكرامتها ، بانتظار ما ستسفر عنه لجنة التحقيق لا بد من العمل على أن تكون هذه آخر مآسي المرأة في بلدنا وان يكون هذا الحدث بمثابة جرس إنذار وقرع شديد على جدران القوانين الظالمة.