بالأمس صباحاً، وأمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر غرب مدينة غزة، كانت لنا وقفة مع عشرات من طلبة المرحلة الأساسية، وممثلي لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية وعدد من المهتمين والمختصين بقضية الأسرى.
وذلك دعما واسنادا للمعتقل الفلسطيني "محمد القيق" المضرب عن الطعام منذ قرابة ثلاثة شهور. هذه الوقفة كانت بدعوة وتنظيم من مؤسسة "واعد" التي تُعنى بشؤون الأسرى.
وقفة جديدة، ومشاركة لافتة، تضاف لعشرات الوقفات السابقة التي نظمت في قطاع غزة تضامنا مع "القيق"، ولكن لربما ما يميز هذه الوقفة هو الإبداع في شكلها اللافت وتنظيمها الرائع ومضمونها المعبّر، والعناصر المؤثرة التي شاركت فيها، وكذلك طبيعة الرسائل التي حملتها وبعثت بها للجهات الدولية، مما منحها التميز عن الوقفات الأخرى.
لاشك أن قضية الأسرى في بعض المراحل، أو في جميعها، تحتاج إلى الإبداع في أشكال التضامن، والبحث عن أساليب وطرق جديدة تساهم وتساعد في إيصال الرسائل المطلوبة.
وقفة الأمس كانت عبارة عن نقل إحدى الفصول الدراسية بكامل عناصره الأساسية المتمثلة في المعلمين وعشرات من تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي، بمقاعدهم وحقائبهم وسّبورتهم، من مدرستهم إلى ساحة مقر الصليب الأحمر بغزة. وبزي غير تقليدي حيث ارتدى الطلاب بدلا من الزي الرسمي بلايز(تشيرتات) بيضاء اللون تحمل صور المعتقل "محمد القيق". وبعد انتهاء الحصة الدراسية الخارجية وإلقاء الكلمات والدروس، أمسك كل طالب منهم قلمه وخطّ ما يجول بخاطره من مشاعر تجاه "القيق"، وعبّر عن مطالبه من المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية تجاهه ببضع كلمات بسيطة في رسالة حملت أيضاً صورة "القيق"، وسلّم كل واحد منهم رسالته مباشرة إلى مدير البعثة الدولية للصليب الأحمر بغزة "ممادو سو". في مشهد كان أكثر من رائع.
وخلال مشاركتي في الوقفة وأثناء متابعتي لبرنامجها وكلمات الطلاب فيها، استحضرني طلب سبق وأن أثرناه من قبل مراراً، وذلك حينما طالبنا في أكثر من مناسبة ومقال بضرورة إدراج قضية الأسرى في المنهاج التعليمي الفلسطيني، وبدلاً من أن ننقل الفصل الدراسي إلى ساحة الصليب الأحمر، علينا أن ننقل قضية الأسرى إلى الفصول الدراسية في كافة المراحل التعليمية.
إن حضور قضية الأسرى بملفاتها المختلفة في المنهاج الفلسطيني نادر وباهت جدا، مما يتطلب من جديد فتح هذا الموضوع، ويدعو وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية إلى اعادة النظر في حجم ومساحة ومكانة قضية الأسرى في المنهاج التعليمي الفلسطيني، والعمل على تعزيز حضورها بما يوازي مكانتها وأهميتها لدى الشعب الفلسطيني وقضيته، باعتبارها قضية مركزية وإحدى الثوابت الوطنية التي لا تقل أهمية عن الثوابت المعروفة الأخرى.
إن إدراج قضية الأسرى بملفاتها المختلفة ضمن المنهاج التعليمي، لكافة المراحل التعليمية، أو إدراجها ضمن الأنشطة اللامنهجية، بدءًا من طابور الصباح اليومي والمنشورات والملصقات والدعايات الداخلية، ومروراً بالمسابقات الموسمية وتشجيع الطلبة على الكتابة عن معاناة الأسرى ونضالاتهم وتضحياتهم وعقد المؤتمرات والمحاضرات العامة داخل المدارس، وانتهاءً بإدراجها ضمن المواد الأساسية، يضمن بالتأكيد حضورها الدائم والمستمر فيما بين أوساط مئات الآلاف من الطلبة والطالبات في كافة المراحل التعلمية؛ ويخلق حالة من التفاعل العالي معها، مما يرفع من درجة ثقافتهم ووعيهم بهذه القضية التي تعتبر جزء اساسي من حياتهم اليومية وتاريخهم الفلسطيني، ويعزز من تفاعلهم معها، واندفاعهم أكثر نحو الدفاع عن من لازالوا يقبعون في السجون. ليس هذا فحسب، وإنما المعرفة والدراية وادراك حيثياتها وما يصاحبها يخفف من آثار الاعتقال في حال تعرضهم للسجن، في ظل الاستهداف المتصاعد والاعتقالات المستمرة لكافة فئات الشعب الفلسطيني.
إن الأمر لا يقتصر على أهمية إدراجها في المنهاج التعليمي والتربوي واعادة صياغته بما يضمن حضور قضية الأسرى وتوثيقها فحسب، وإنما يتطلب أيضاً استهداف مؤسسات التعليم العالي ورفع درجة الاهتمام الأكاديمي بها، وإدراج قضية الأسرى بملفاتها المختلفة كمتطلب أساسي، وكمادة أساسية في بحوث التخرج والرسائل الأكاديمية ضمن خطة متكاملة، وضمن أسس ومعايير علمية وأكاديمية واضحة ومحددة، مما يساعد على توثيق تاريخ الحركة الأسيرة بشكل علمي ومنهجي بعيداً عن الفردية أو العفوية والارتجالية، خاصة وأن جزءًا كبيراً من هذا التاريخ الطويل بصوره المتعددة، مأسور في ذاكرة الأسرى المحررين، وجزءًا آخر مبعثر ومشتت، وبالتالي نحن لا زلنا بحاجة إلى جيش من الموثقين لذاك التاريخ بكل حيثياته. وهذا الجيش لن نجده إلا في الجامعات الفلسطينية ولن يكلفنا الكثير، فيما النتائج ستكون مبهرة، وستقود إلى إنشاء وتكوين مكتبة علمية ومتميزة بهذا الصدد.
ان مثل هكذا خطوات من شأنها أن تساهم في اعادة الاعتبار لقضية الأسرى وتاريخها وترفع من درجة المعرفة بها لدى المواطنين، وتعزز الانتماء إليها، ومع الوقت يمكن أن تعود لتصبح قضية رأي عام وقضية كل بيت فلسطيني، وهمّ لكل مواطن فلسطيني، وحينها يمكن لدائرة التضامن معها أن تتسع على المستوى الوطني، مما سيؤثر إيجاباً على حضورها على المستويات الأخرى وسيعزز بالتأكيد من صمود الأسرى داخل السجون ويرفع من معنوياتهم ويمنحهم قوة إضافية في مواجهة السجان للذود عن كرامتهم، وانتزاع حقوقهم الأساسية على طريق نيل حريتهم المشروعة وعودتهم إلى أهلهم وشعبهم.
وفي الختام أعرب عن ثقتي العالية باهتمام وزير التربية والتعليم العالي في حكومة الوفاق الوطني "د. صبري صيدم" بقضية الأسرى، وقدرته على إعادة صياغة المنهاج التعليمي بما يعزز من حضورها ويوثق تاريخها ومراحلها وملفاتها المختلفة.
عبد الناصر عوني فروانة/ باحث مختص بقضايا الأسرى؛ ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين.