كثيرة هي القوانين التي أقرتها اللجنة الوزارية للتشريع بهدف التضييق على الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وكثيرة هي القوانين التي أقرها الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية الأولى فقط، أو بالقراءات الثلاث الأولى والثانية والثالثة، لمنح الغطاء القانوني لممارسات شاذة وغير قانونية تقترفها المؤسسة الأمنية بحق الأسرى والانتقاص من حقوقهم.
وكثيرة جداً هي القرارات والأوامر التي اتخذتها أو صادقت عليها الجهات السياسية والقضائية بهدف الانتقام من الأسرى والمساس بحقوقهم الأساسية والإنسانية والتعمد بإلحاق الأذى بأوضاعهم الجسدية والنفسية والصحية.
وبمعنى آخر فإن إسرائيل وخلال العقدين المنصرمين قد شرعنت ما هو غير شرعي، وأجازت لمؤسستها الأمنية والعسكرية أن تمارس ما هو محرم دولياً بحق الأسرى، واعتبرت نفسها دولة فوق القانون، ووفرت الحصانة القضائية لمقترفي الانتهاكات ومرتكبي الجرائم بحق الأسرى العُزل.
ونحن وللأسف الشديد نتابع عن بعد، ونكتفي بإصدار التصريحات الإعلامية، وبيانات الشجب والإدانة، أو المطالبة والمناشدة، وان تحركنا فعملنا يكون مشتت وآني دون أن ننجح ذات مرة من إسقاط هذا القانون أو ذاك، أو أن نفشل ونجمد هذا القرار أو ذاك الإجراء التعسفي، منذ شرعنة التعذيب قبل نحو ربع قرن وما يزيد ومرورا بقانون زيارات الأهل ومقاتل غير شرعي و"شاليط" والتغذية القسرية وعشرات القوانين والقرارات الأخرى، وليس انتهاء بقانون منع العفو عن بعض الأسرى الذي أقر مؤخراً بالقراءة التمهيدية من قبل الكنيست الإسرائيلي بعد أن أقرته اللجنة الوزارية للتشريع في وقت سابق من الشهر الماضي.
قانون منع العفو والذي يحمل الرقم الداخلي (מספר פנימי: 545878)، هو ليس قانون جديد وإنما تعديل وإضافة بند على قانون أساس رئيس دولة الاحتلال وتقليص صلاحياته في العفو عن أسرى قبل انتهاء مدة محكومياتهم، הצעת חוק-יסוד: נשיא המדינה (תיקון – איסור שחרור רוצחים) إذ يمنع بموجب التعديل القانوني منح العفو أو تخفيف العقوبة على الأسرى المحكومين بمدى الحياة وممن أدينوا بقتل إسرائيليين بموجب المادة 300 من قانون العقوبات، 1977، وتقليص الصلاحيات الممنوحة لرئيس دولة الاحتلال في إصدار العفو ومنع الإفراج عنهم في إطار المفاوضات، وذلك بقرار من المحكمة، بحجة ردع المقاومين وتقليص العمليات التي تؤدي إلى قتل إسرائيليين.
وعُرف إسرائيليا بقانون "منع العفو عن المخربين" قدمه وزير الاقتصاد الإسرائيلي "نفتالي بينيت" والقاضي بعدم منح الأسرى الفلسطينيين الذين اتهموا بقتل إسرائيليين "عفواً رئاسياً" يمهد لإطلاق سراحهم في أي صفقة مستقبلية وإبقائهم في السجون.
وحتى يصبح القانون ساري المفعول وملزم التطبيق فإنه يحتاج إلى إقراره بالقراءتين الثانية والثالثة والمصادقة النهائية عليه من قبل الكنيست الإسرائيلي، وفي حال تم ذلك فإن القضاة الإسرائيليين يكون من حقهم ومن صلاحياتهم إصدار قرار يصاحب قرار الحكم القاضي بالسجن مدى الحياة، يقضي بحرمان الأسير من الحصول على عفو من قبل رئيس دولة الاحتلال في أي صفقة قادمة، كما ويحق للمحكمة إصدار قرار جديد يوقف قرار العفو الرئاسي عن الأسير المزمع تحريره والمعتقل لاتهامه بالقتل المتعمد، ويمنح القضاء صلاحيات جديدة على حساب الصلاحيات الممنوحة لرئيس الدولة ويقلص من فرص الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ذوي الأحكام العالية.
وفيما لو أقر هذا القانون فإنه سيقلص من صلاحيات رئيس دولة الاحتلال في العفو عن أسرى تمهيدا لإطلاق سراحهم في إطار صفقات مع الفلسطينيين، حيث جرت العادة ووفقا للإجراءات القانونية الإسرائيلية بأن على "رئيس الدولة" أن يصدر عفواً عن قائمة الأسماء المنوي إطلاق سراحهم في تلك الصفقات قبل انتهاء فترات محكومياتهم.
وبتقديري فإن هذا القانون:
- جاء لإرضاء اليمين الإسرائيلي المسيطر والمهيمن على الحكومة الإسرائيلية وعلى التوجه الإسرائيلي العام في التعامل مع الفلسطينيين وقضاياهم المختلفة بما فيها قضية الأسرى.
- يشكل ضربة جديدة للمفاوضات السياسية التي توقفت بسبب تنصل إسرائيل من الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى وفقا لما اتفق عليه عشية انطلاق المفاوضات قبل أقل من عام، وأن استئنافها يستند وبشكل أساسي على ضرورة إطلاق سراح أسرى.
- إن نقاش مثل هكذا قانون وإقراره من قبل المؤسسات الإسرائيلية المختلفة يؤكد أن على إسرائيل وبالرغم من كافة الإفراجات السابقة التي أجبرت على تنفيذها، لا تزال تتمسك بشروطها الظالمة ومعاييرها المجحفة ومصطلحها "الأيادي الملطخة بالدماء" وتصنيفاتها المرفوضة فلسطينياً.
- يحمل رسالة إحباط ليس فقط للمعتقلين الفلسطينيين الذين يخوضون حراكاً نضالياً في السجون الإسرائيلية وللمئات منهم الذين يخوضون إضرابا عن الطعام منذ أكثر من خمسين يوماً احتجاجاً على استمرار الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة، وإنما أيضا لذوي الأحكام العالية والذين يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة على خلفية اتهامهم بالمشاركة في عمليات قتل فيها إسرائيليين.
- يهدف إلى كسر إرادة المقاومين للاحتلال خارج السجون وبث الرعب والخوف في صفوفهم والقضاء على ثقافة المقاومة، ودفعهم للتفكير في مصيرهم الشخصي وفقدانهم أمل التحرر فيما لو اعتقلوا –وهذا وارد- وان مصيرهم البقاء الأبدي والموت في السجن ولن يروا الشمس من جديد..!
إن إسرائيل مبنية على تناقضات وصراعات وتخبطات داخلية هائلة، فهناك الحكومة وهناك رئيس الدولة وهناك القضاء والكنيست، وللأسف الشديد فإن اليمين المتطرف قد نجح في التغلغل والسيطرة على كل هذه المركبات بما فيها القضاء، وباتت تمرر سياساتها وتتنصل من إلتزاماتها واتفاقياتها السابقة بحجة القضاء والقانون!!.
ومع ذلك نرى بأن نقاش وإقرار هذا "القانون" لن يخدم دولة الاحتلال، إذ سيشكل عبئا على الحكومات الإسرائيلية اللاحقة التي ستضطر لإجراء تعديلات عله لتمرير سياستها، أو لتبرير استحقاقات يجب أن تدفعها في سياق العملية التفاوضية أو في حال الاتفاق على صفقة تبادل للأسرى يمكن أن تنفذها الفصائل الفلسطينية، مما يعني أن القوة السياسية والدبلوماسية أو العسكرية ستجبر إسرائيل عاجلاً أم آجلا لإلغاء هذا القانون والتخلي عن معاييرها وشروطها الظالمة.
وفي الختام أرى بأن مثل هكذا قانون سيستفز الشعب الفلسطيني وسيدفع قواه الفاعلة للجوء إلى استخدام القوة رغماً عنهم أو التحريض لاستخدامها لإجبار "إسرائيل" على التخلي عن قوانينها وشروطها ومعاييرها والتجاوب مع مطالبهم بإطلاق سراح أسراهم لا سيما القدامى المعتقلين منذ عقدين وثلاثة وما يزيد وذوي الأحكام العالية الذين لا أمل لديهم بالإفراج إلا في إطار المفاوضات السياسية وإن تعذر ذلك فان صفقات التبادل هي البديل الآخر، والسلوك الإسرائيلي هو من يحدد الشكل الذي يمكن أن يلجأ إليه الفلسطينيون لإطلاق سراح أسراهم.