ما حصل في مخيم قلنديا فجر يوم الأربعاء 16122015؛ رفع رأس كل حر وشريف وغيور على الوطن؛ بتحوله إلى ساحة حرب حقيقية؛ وشكل جزءًا ونمطاً راق ومتميزاً من صور البطولة والتضحية وفداء الوطن بالغالي والرخيص من قبل الشبان الذين تصدوا للاقتحام؛
وهو ما أرعب المحتل الغاصب؛ الذي يريد احتلالاً رخيصاً ومجانياً دون ثمن يدفعه؛ فصور البطولة والتحدي ترهقه وتتعبه، وتجعله يفكر ملياً بوقف احتلال وظلم الشعب الفلسطيني.
استشهاد الشابين أحمد جحاجحة (20 عاماً)، وحكمت حمدان (29 عاماً) خلال تصديهما لجنود الاحتلال؛ سواء بالدهس أو بإطلاق النار أو حتى بالحجارة؛ هو قمة العطاء والتضحية من شابين فلسطينيين قدما روحيهما رخيصة في سبيل الله والوطن.
مخيم قلنديا؛ مرفوع الرأس دوماً، ورفع معه رؤوس الفلسطينيين والعرب عموماً؛ كونه مخيم لا يستسلم للإرهاب؛ ولا يرضخ للباطل والظلم، ولا يقبل الدنية؛ ويقدّم شهيد تلو شهيد بحب ورضا، ففجر الحرية آت.. آت؛ بتضحياتهم وشجاعتهم وبطولتهم التي قلّ نظيرها.
مخيم قلنديا؛ مخيم البطولة؛ قدّم شهيدين أيضاً يوم الاثنين 1611؛ مسجلاً صفحة طيبة حروفها مداد من ذهب، معطره بدم الشهداء الفواح؛ وهما الشهيدين أحمد أبو العيش (موزة) 28 عاماً، وليث أسعد مناصرة 21 عاماً؛ وبنفس صورة الاقتحام للمخيم فجراً.
يظنّ "نتنياهو" عبر الإكثار من الظلم والبطش والمجازر وسياسة القتل بالدم البارد والإعدامات الميدانية وهدم المنازل؛ سينجح في كسر إرادة مخيم قلنديا والشعب الفلسطيني؛ ولكن ما يحصل هو العكس؛ بدليل بسيط وواضح أن العمليات ضد الجنود والمستوطنين لا تتوقف؛ بل تتسارع وتتزايد دون توقف.
كيف ينجح "نتنياهو" في كسر إرادة وصمود الفلسطينيين وحبهم للشهادة المنقطع النظير؟! عليه أن يرحل لأن نجاحه صفر كبير، وهو ما لا يريد أن يعترف فيه كعادة الظلمة والطغاة عبر التاريخ.
سواء اعترفت الرقابة العسكرية للاحتلال بسقوط قتلى أم لم تعترف؛ أو فبركت قصة نيران صديقة؛ فإن الحرب النفسية خبرها الفلسطينيون عبر سنين الاحتلال الطويلة، وما عادت تنطلي عليهم خدع وفبركات وكذب الاحتلال وإعلامه المنحاز كلية لمصلحة "دولة" الاحتلال؛ فلا هو نزيه، ولا هو حيادي.
المئات من جنود الاحتلال وقوات من المستعربين ترافقهم تعزيزات عسكرية والعشرات من الآليات وناقلات الجند، ومروحيتان استباحوا مخيم البطولة والعز والفخار؛ رغم أن المخيم لا يوجد فيه سوى لاجئين شردوا وطردوا من أراضيهم عام 48؛ وسجّل المخيم صورة أخرى من التحدي؛ وجدد عهد الدم والشهادة دون النظر لفارق القوى الذي هو غير موجود أصلاً؛ كون جيش يواجه ويتحدى أناس عزّل ومدنيين.
مخيم قلنديا توّج تحديه لجيش الاحتلال بتقديمه خمسة شهداء منذ انتفاضة القدس أربعة منهم استشهدوا خلال عمليات اقتحام المخيم، وفتاة استشهدت بزعم محاولتها تنفيذ عملية طعن في مدينة القدس المحتلة.
قمة الإجرام والإرهاب؛ أن يقتحم ألف جندي مدججين بمختلف أنواع الأسلحة المميتة، وطائرة مروحية هجومية؛ مخيم أعزل فيه أناس مدنيين أبرياء؛ ليحصد بأسلحته شهيدين ويجرح العشرات ويعتقل من يشاء ويهدم منازل الفلسطينيين حتى في مخيماتهم.
مخيمات الضفة الغربية جميعها؛ كما هو مخيم قلنديا؛ مصدر لا ينضب للشهداء وصور البطولة؛ فقافلة الشهداء تسير بخطى واثقة نحو التحرير؛ وتعبر من داخل أزقة وطرق المخيمات التي ترنو عيون من فيها إلى يافا وحيفا وعكا.
شتان بين قتلى جنود الاحتلال الذين هم طغاة ومحتلين وظلمة وإلى جهنم؛ وبين قتلى الفلسطينيين؛ الذين هم طلاب حق وحرية وعيش كريم كبقية شعوب الأرض، وإلى الجنة مثواهم وأحياء عند ربهم يرزقون في مقعد صدق عند مليك مقتدر.