Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الأسير أحمد مناصرة.. لم يعد طفلاً منذ الآن.. عيسى قراقع

الأسير أحمد مناصرة.. لم يعد طفلاً منذ الآن.. عيسى قراقع

خلال أحد عشر دقيقة، شاهد العالم يوم 20102015 شريط فيديو لعملية التحقيق مع الطفل الأسير الجريح أحمد مناصرة 13 عاماً، انفجر الولد والمشاهد والشريط، تحت ضغط المحقق وأساليب التهديد والوعيد والشتائم والترهيب التي مارسها بحق طفل صغير من أجل انتزاع اعتراف منه.

ما لم يحتمله الكبار، وقف المحقق الإسرائيلي (موشيه كوهن) أمام هذا القاصر المصاب، والذي هشّم الجنود والمستوطنون رأسه عند اعتقاله، دهسوه وضربوه، رقصوا واحتفلوا حول دمه النازف، داعين إلى إعدامه وقتله.

لقد نجا أحمد مناصرة من الموت المستباح في شوارع القدس عندما لاحقوه وطاردوه وعذبوه، لكنه لم ينج من محاولات سحق طفولته وبراءته أمام هذا المحقق كثير الصراخ، المتوتر، المريض، والذي يمارس الخنق والتعذيب النفسي على هذا الطفل... كان المحقق يتعذب لأن مناصرة لازال أمامه حياً.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، هكذا أراد المحققون وضباط و"قضاة إسرائيل"، شرعوا "قانوناً" لأجل الحكم عليه وإبقاءه بالسجن، وإن لم يكبر طبيعياً، فقانونهم الجديد كفيل أن يتعامل معه كبالغ، ويقبع في السجن سنوات، لم يسمعوا صوته الصغير، لم يروا طفولته وأحلامه الجميلات، رأوه سكيناً أو حجراً أو طوفاناً، ومنه يتقرر مصير "أرض الميعاد".

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن.. وذلك المحقق ليس عنده أطفال، بل بنادق وأسلحة وصور لمن عذبهم ودعس على رؤوسهم وانتزع اعترافات منهم بالقوة والتهديد، وعنده أوسمة عديدة بحجم من أعدم من الأطفال في المظاهرات وعلى الحواجز، وبحجم عدد من دمرهم في الزنازين وأقبية الظلام.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، ضرب واعتقل في "دولة" مجنونة مهووسة مصابة برهاب الحجر والأغنية والولادات الكثيرة لأطفال فلسطين، دولة جردتها الحروب من ذاتها الإنسانية والأخلاق، وصعدت فوق مدافعها وطائراتها تصطاد البشر الذين يثبتون الجدارة على الحياة.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، المحقق يشتم ويصرخ، يثير الشفقة، فخلف الأبواب المغلقة مئات الأطفال المعتقلين والمصابين والمصدومين، وخلف الأبواب المغلقة جيل من الفتيان ولدوا أمام الجدار، عند الحواجز وتحت وقع الرصاص وقصف المدرسة، تجرعوا الغاز السام وساروا في كل جنازة، أطفال يولدون ومعهم قنابل أحلامهم ونعوشهم الصغيرة.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، تجاوز الفخ السياسي وحدود المستوطنة، تجاوز عمره ورغوة الحليب، يبحث عن ملعب وبحر وسماء غير مسيجة، ركض في شوارع القدس من صلاة إلى صلاة، ومن مذبحة إلى مذبحة، هو لا يطلب النجاة، المحقق المتوتر يزعق خوفاً، ويستنجد بالقاضي والمحكمة.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، والذي أمامه يمثل "دولة" ناكرة أنها دولة محتلة، تحشوا مناهجها التربوية والتعليمية بالبارود، وتفخخ عقول تلاميذها بالنار والكراهية للآخرين، إنه التطرف والعنصرية التي لا ترى أطفالاً في العالم، دولة لا سلام في مدرستها ولا قانون ولا ذاكرة.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، فالمحقق يعيش في دولة خوف اليهود كما قال الصحفي الأسرائيلي ناحوم بارينع، وألى الآبد ستعيش على حدّ السيف والحراب كما قال نتنياهو، لم يتصالح الثقافي مع السياسي في "دولة أسرائيل"، ظل الأول مشحوناً بذاكرة المنفى والإقصاء محبوساً في غيتو المحاربين فوق الأبراج، داخل دائرة القنص والقتل، لا يمد الثاني إلا بالبزة العسكرية ومفاتيح السجون وأناشيد "حرس الحدود".

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، لم يرتجف الضمير الإنساني في "إسرائيل" أمام مشاهد اعتقال القاصرين الأطفال والاعتداء عليهم بطرق وحشية جسدياً ونفسياً، ولم يسألوا أنفسهم لماذا لا يبتسم أطفال فلسطين؟ لا ينامون، ينفجر نعاسهم فزعاً وصرخات.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، أن تكون مقدسياً هذه الأيام، يعني أن تحمل روحك على كفيك كلما انطلقت من بيتك، حياتك رهن إشارة اصبع لجندي أو مستوطن أو حاخام، الضغط على الزناد، الضرب والركل والاحتفال بالموت.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، لأن "دولة إسرائيل" غيرت نصوص وأحكام القانون الدولي والاتفاقية العالمية لحقوق الأطفال، فتحت سجن جفعون للقاصرين، حشدت المئات في عوفر ومجدو وعصيون وحوارة، أطلقت الكلاب عليهم، شبحتهم في البرد الشديد، فقدت توازنها عندما أصيب المحقق بهذيان وهو يصرخ: السكين السكين.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، فالولد (مخرب) ويجب قتله، هكذا بدأت الحملة التحريضية الإسرائيلية على الفلسطينيين، وزير التربية الإسرائيلي حمل مسدسه وخرج إلى الشوارع، ووسائل الإعلام الإسرائيلية عرضت لعبة لتعليم الأطفال على كيفية قتل ومحاربة (المخربين) الفلسطينيين، إنهم ينشئون جيلاً من القتلة، لا حب ولا سلام ولا رحمة.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن.. اعتقلوه في "المجتمع الإسرائيلي الديمقراطي"، فوجد أنهم فقدوا توازنهم في التشريع والعقاب وفي أوامر إطلاق النار والاعتقالات، ووجد أن العنصرية عندهم متغلغلة في الخطاب والسلوك، في البيت واللغة، لا مجتمع مدني في "إسرائيل"، استنفار وتحشيد وتجنيد ومعركة.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، كل جندي ومستوطن وقاضي أصبح جلاداً ومحكمة، لهذا اعتقلوا أكثر من ألف طفل منذ بداية شهر أكتوبر الماضي، وأصدروا أوامر اعتقال إداري بحق أطفال قاصرين، وجربوا على أجسادهم كل صنوف التعذيب، لم يسمعوا منهم سوى صوت رعد أو مقلاع أو حجارة.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، صار قنبلة موقوتة في عرف جهاز المخابرات الإسرائيلي التي تعتقل الناس على أحلامهم، يقصفون أجنحة الملائكة، يطاردون طفل المغارة في السهول والبراري، يطفئون أضواء الشجرة ويدوسون ساحة الميلاد، يطلقون النار على حمامتين وغيمتين فوق الصليب.

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن، لا أم ولا أب ولا أصدقاء، وحده في الزنزانة، ووحده أمام هذا المحقق المتشنج المشبع بالكراهية للأغيار، الأعمى بالخرافات والأساطير، وقد صار آلة في "دولة إسرائيل"، وصياداً ماهراً يجيد انتزاع الاعترافات من الصغار.

 

أحمد مناصرة لم يعد طفلاً منذ الآن....

يرمي حجراً

أو حجرين

يكبر في شوارع القدس

يمضغ لحم الدبابات

ياتينا من غير يدين

 

* وزير شؤون الأسرى والمحررين- رام الله