بالإمكان تعريف أدب المقاومة من وجهة نظري – وبشكل عام- بأنه الأدب الذي ينتج عن اختلاط المعاناة بمشاعر التمرد، التي تموج في نفس الشاعر أو الأديب في مواجهة الاحتلال والظلم والاستبداد.. لذا فإنه ليس في وسعنا التقرير بأن أدب المقاومة هو اختراع فلسطيني لعرب فلسطين 48،
فناظم حكمت ولوركا وبابلو نيرودا ينتمون إلى مدرسة أدب المقاومة، وسولجنستين وبوريس باسترناك وسارتر ينتمون أيضاً إلى هذه المدرسة العالمية، التي يمكن تسميتها أيضًا مدرسة الحرية.
والواقع أن أدب المقاومة الفلسطينية اختلفت مسمياته عبر مراحله التاريخية: أدب النكبة – أدب المقاومة الفلسطينية لعرب 48- أدب المنافي – أدب الانتفاضة ..إلخ. وأدب المقاومة الفلسطينية كان يعني منذ عقد الستينيات، عندما اكتشف رجاء النقاش محمود درويش وقدمه للقارئ العربي، وبعد أن كتب عنه غسان كنفاني (كتابه: الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال: 1948-1968)، كان يعني الأدب الذي قدمه أدباء وشعراء عرب فلسطين المحتلة عام 48 في ظروف بالغة الصعوبة، فكان كما يقول غسان كنفاني، نموذجاً تاريخياً لثقافة المقاومة، بكل ما فيها من وعي وصمود وصلابة، وأهم من ذلك، بكل ما فيها من استمرار وتصاعد وعمق.
التمدد الزمنكاني لأدب المقاومة الفلسطينية..
لم تلبث أن اتسعت دائرة الضوء المسلطة على هذا الأدب، الذي بدا لأول وهلة لونًا جديدًا من ألوان الأدب الحديث ليشمل أسماءً لمبدعين في عالم الشعر والرواية والمسرحية والقصة أمثال سميح القاسم، وتوفيق زياد، واميل حبيب وحنا إبراهيم وسالم جبران ونايف سليم ومحمد نفاع ومحمد علي طه وغيرهم.. بيد أنه ليس من المنصف اعتبار أن شهادة أدب المقاومة الفلسطينية صدرت في الأراضي المحتلة بعد العام 48 لدى عرب الناصرة وحيفا والجليل، فقد كان هناك دائمًا أدب مقاومة ضد الصهاينة وحكومة الانتداب البريطاني منذ نهاية العقد الثاني من القرن العشرين وظل ينمو ويتطور مع اشتداد زيادة حدة الصراع ضد الغزاة الغاصبين، بدءًا من القصيدة الشعبية، كما رصدها نمر سرحان في موسوعة الفولكلور الفلسطيني عندما تحدث عن الشعر الشعبي الفلسطيني المقاوم والذي كثيراً ما كان يتغنى به الشاعر على الربابة.
وظهر في تلك الفترة العديد من شعراء الثورة (أو المقاومة) أمثال إبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وإبراهيم الدباغ وخليل السكاكيني ومحمد إسعاف النشاشيبي وخليل بيدس، وعبدالرحيم محمود، الذي اشتهر بقصيدته "الشهيد".
بيد أنه لابد من تقرير الحقيقة بأن أدب المقاومة لعرب 48 اتسم بالعديد من السمات من حيث الخصائص الإبداعية ونبرة التحدي للمحتل والتمسك بالهوية الفلسطينية والالتصاق بالأرض، وهو ما تمثل بشكل خاص بشعر محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وروايات إميل حبيبي التي استخدم فيها أسلوبه الساخر سلاحاً ضد المحتل.
وبالتوازي كان هناك أدب فلسطيني مقاوم – بكل أنواعه من شعر ورواية ومسرحية وقصة وأقصوصة- في غزة والضفة والخارج والذي امتدت دوائره ليشمل دولاً أوربية (يوسف شرورو في بريطانيا وأفنان القاسم في فرنسا مثالاً).
وقد كان هناك دائمًا أدباء وشعراء في الدائرة الفلسطينية والعربية أمثال الأخوين علي وهاشم رشيد، ومحمود سليم الحوت، وسعيد العيسى ومعين بسيسو، وغسان كنفاني، الذي يعتبر ظاهرة جديدة في فن الرواية العربية، وجبرا إبراهيم جبرا الأديب والمثقف الشمولي، ويحيي يخلف ومحمود الريماوي وعلي فودة وغالب هلسا ورشاد أبو شاور وصالح أبو أصبع وتوفيق المبيض ويحيى رباح وغيرهم. ويمكن الرجوع إلى كتاب الدكتور نصر محمد عباس (الفن القصصي في فلسطين) للاستزادة في هذا الموضوع وإلقاء المزيد من الضوء على خصائص هذا الفن في الخريطة الأدبية للأدب الفلسطيني الذي يمكن إدراجه بشكل عام تحت بند أدب المقاومة.
أدب المقاومة عند المرأة الفلسطينية..
شاركت المرأة الفلسطينية الرجل على الساحة الأدبية، كما على الساحة النضالية في حمل رسالة المقاومة ضد المحتل رواية وقصيدة ونصًا كما حجرًا ورصاصة وسكينًا فكانت في كافة تلك الصور بطلة ومبدعة وأيضًا شهيدة.. ولذا فإنه من الصعب تبيّن الخط الفاصل في إبداعات المقاومة الفلسطينية بين فاطمة خليل غزال، التي استشهدت في ثورة 36 والشهيدة شادية أبو غزالة، التي كانت تردد دائمًا، "أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح" وليلى خالد، ودلال المغربي وآيات الأخرس وغيرهن من جهة، وبين أسمى طوبى التي تعتبر من أوائل كاتبات المسرح في فلسطين، والتي قدمت لنا أول إنتاجها (على مذبح القضية) الذي طبع في فلسطين عام 46، وفدوى طوقان وهيام الدردنجي وسحر خليفة وسلمى الخضرا الجيوسي وسلوى البنا ومي صايغ وليانا بدر وفدوى فؤاد عباس وليلى الأطرش وسميرة عزام، التي كانت قاصة وشاعرة في آن وغيرهن من جهة أخرى، واللاتي اشتركن معًا – كما يقول الدكتور مصطفى عبدالغني (كتابه المقاومة والمنفى في الرواية الفلسطينية) في التعبير عن قضية المرأة وارتباطها بالوطن ومعاناته، حيث بدا خط المقاومة المسيطر الأكبر على كتاباتهن.. وينبغي الإشارة هنا إلى أنه من الصعب تبيّن خط فاصل بين الدور النضالي للمرأة الفلسطينية على الساحة الأدبية وبين دورها النضالي على ساحة مقاومة المحتل، وهو ما عبّر عنه موشى دايان ذات مرة بقوله: "إن قصيدة تنظمها فدوى طوقان تجند عشرة فدائيين للمقاومة الفلسطينية"، وأن قصائدها "أكثر خطورة على إسرائيل من الرصاصة الفلسطينية".
سحر خليفة مثالاً..
تشكل سحر خليفة في سفر الأدب الفلسطيني التوأم الإبداعي مع فدوى طوقان: سحر في عالم الرواية وفدوى في عالم الشعر، فالقواسم المشتركة بينهما أكثر من أن تعد، لكن القاسم الأكبر لا يكمن في انتمائهما إلى مدينة جبل النار (نابلس)، وإنما في حمل رسالة الدفاع عن الحرية بكل أشكالها بدءًا من حرية الوطن وحتى حرية المرأة. وهو ما عبرت عنه سحر خليفة في روايتها "لم نعد جواري لكم"، أما رواياتها الأخرى فقد عبّرت من خلالها عن حالة الاغتراب، التي يعيشها الفلسطيني حتى وهو في الوطن، ومعاناته اليومية تحت الاحتلال.
وقد صدر لها غير روايتها "لم نعد جواري لكم" سبع روايات أخرى: "الصبار"، و"عباد الشمس"، و"مذكرات امرأة غير واقعية"، و"باب الساحة"، و"الميراث"، و"صورة وأيقونة"، و"عهد قديم" ، و"ربيع حار".