Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الصورة الخالدة.. عـودة فـارس

الصورة الخالدة.. عـودة فـارس

أشرف سهلي - رسم كل حدث في التاريخ صورة من إبداع أهله أو مما ابتُـدع بهم.. تتابعت الأحداث فـي وقـت واصـل شريط الذاكرة مهـمّتـه في التـسجيل.

ربما لكثرتها اضطر المنتجون إلى تبديل الأشرطة ملايين المرات، وأثناء جولات التبديل كانـت الأنـباء العاجلة تـتقاطـر من كل حدب وصوب.

تعددت الأنباء والحدث واحد، لكن بعضـها لا يرتقِ لصناعة حدث أصلا. فلا يـصحّ عندها التخليد ضمن لائحة التأريخ.. ولا فائدة في هذه الحـالـة لأشـرطـة التسجيل.

من الخالد في الأذهان، فكـرة أن التاريخ يحـتفظ بـصـورة بـشريّة عن الأحداث الجديرة بالتوثيق، لتشكّـل مجموعة الصـور المؤرشفة فيما بعد، مادةً أساسية تدعى (الذاكـرة الحيّـة) أو ما يطلق عليه اسم (الصور الخالدة).

في المنطق الزمني؛ حدثٌ يستدرج حدثا آخر.. حدثٌ سيء أو جيد يقود إلى التالي.

كان الحدث انتدابا، صنع وعدا، تلاه حدث تمثل بإقامة كيان يحمل صفة (احتلال)، ليصبح الحدث التالي ردة الفعل الطبيعية لأصحاب الأرض الطبيعيين على حدث الاحتلال. مع الإشارة أن الأخير صنع أحداثا متعاقبة، وكل حدث بشكل اعتيادي يمكنه صناعة أحداث.

وللتأكيد فإن أصحاب الأرض الجيدين بعمومهم أرهـقـتهم الأحداث السيئة، فجميعها فُـعلت وطبّقت عليهم، من تهجير وقتل وحصار داخل أرضهم وخارجها. وطبعا؛ حدث الاحتلال هو السبب الأساسي وراء كل المآسي.

ولعلّ أبرز الأحداث الخالدة في ذاكرة التاريخ، بعد حدثي إقامة الكيان ونكبة الشعب؛ حدث الانتفاضة الفلسطينية، وفي مثل هذا اليوم تمرّ ذكراه الـخامسة عشرة، وهو فعلٌ شكّل بزخمـه مثالا ناضجا على ردة فعل الفلسطينيين لمواجهة حجم فادح من الأحداث الاحتلالية التي ارتكبت بحقهم.

فيما بعد أوجد هذا الحدث الهائل كثيرا من العلامات البشرية الشاهدة على عظمته من الفاعلين أنفسهم، أي أبناء فلسطين.

غير أن الانتـقال إلى مرحلة انتـقاء الشـاهد الأبـرز أو الأكثر قدرة على تمثيل المجموعة في تلك الانتفاضة، ارتبط بعوامل عديدة يصعب تفسيرها بشكل عقلاني غالبا، فهي وجدانية في كثير من الأحيان ومنطقية في أحايين أخرى.

الشريط يمـشي ويمـشي، لتـقع العـين على ما هو غير قابل للزوال: "طفل فلسطيني ينحني إلى الوارء لقذف حجر على كومة حديد مصفّح قاذف للقنابل!"..

الاسم: فارس عودة، المواليد: 1985، الملامح: طفل نحيف رفيع ثويه فضفاض، الموطن: غزة – فلسطين، الحلم: الحرية وزوال الاحتلال، الفعل: مواجهة غير متكافئة. الصفة: شجاع ثم شهيد وبعدها بطل، سبب الاستشهاد: ليست رصاصة الجندي الإسرائيلي هي السبب فحسب، حقيقة الأمر أنّ خوف الجندي من فكرة عودة فارس مجددا، ونهوضه لرمي حجر آخر كانت سبب الاستهداف!، لذلك قرر الجبان المدجّج بالسلاح ترك الفتى ينزفُ حتى الموت.  

إنه فارس عودة صاحب الصورة البشرية الخالدة لفعل المواجهة في حدث الانتفاضة الفلسطينية، وبإعادة ترتيب الكلمات السابقة ذات الصلة، وجب التوثيق تحت الصورة؛ "أن طفلا فلسطينيا في ربيع عمره الـخامس عشر جدير بالخلود في ذاكرة شعبه كبطل، استطاع بجسده النحيل ووضعية المواجهة غير المتكافئة التي اتخذها لعدة لحظات، إرسال دلالات كبيرة عن شعب مظلوم، أعلن غضبه بانتفاضة شعبية على ظالم مغضوب عليه".

المنطق البشري يقول: "إن طفلا وحجرا لايستطيعان إعطاب دبابة وردّ الجنود عن ركوبها"، لكن المنطق عينه غير قادر على منعهما من رسم "عـودة فارس" إلى صدارة المشهد كـ"صورة خالدة" تمثل حق شعب كامل بالحياة.