بالرغم من الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين وفي أماكن اللجوء والشتات إلا أن لعيد الأضحى المبارك طعم خاص، فالصغار فرحون بثيابهم وألعابهم، والكبار بإتمام زيارة الأصدقاء والأقاراب والجيران، وانتظار حجاج بيت الله الحرام.
عيد الأضحى زائر يطل في السنة مرة واحدة، وواجب استقباله فرض على الناس الخروج من صعوبات الحياة إيذاناً باستقبال أيامه، مبتهجين بحلول العيد في وقت تمرّ فيه الأوضاع الفلسطينية بمرحلة دقيقية وخطيرة نتيجة الهجمة العدوانية الصهيونية التي تطال الشجر والحجر والبشر والمقدسات الإسلامية والمسيحية، إضافة إلى ما يجري في مخيمات اللجوء والشتات في سوريا ولبنان من ظروف دقيقة نتيجة قوى الظلام والتكفير، هذه القوى لا تعرف سوى القتل وتهجير الشعب الفلسطيني من مخيماته خدمة لأجندات خارجية هدفها شطب حق العودة، هذه القوى هكذا تفهم الإسلام، ولكن الإسلام الذي نفهمه دين محبة وخير وتسامح، وصولاً إلى ما تتعرّض المنطقة وشعوبها من هجمة إمبريالية صهيونية رجعية إرهابية تكفيرية هدفها تدمير مقدرات المنطقة ونهب خيراتها وتقسيمها إلى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية وإبعاد الشعوب العربية عن البوصلة الحقيقية فلسطين.
وأمام كل ذلك نرى الهجمة على المسجد الأقصى وإستباحة له من قبل قطعان المستوطنين الصهاينة المدججين بالسلاح وبأدوات القمع الذين يستخدمونها بشكل بربري في الاعتداء على المرابطين والمصلين المسالمين العزل من الشيوخ والنساء والرجال، حيث أن هذه الاقتحامات تأتي في مخطط مدروس تنفذه دولة الكيان بكل أجهزتها الأمنية ومؤسساتها المدنية ومرجعيتها الدينية مستغلة بذلك الانشغال العربي والإقليمي والدولي بصراعات المنطقة في دولها خاصة دول الطوق المجاورة، وهو ما يشجع حكومة الاحتلال على المضي قدماً في تنفيذ مخططات التهويد لأن الاهتمام العربي والإسلامي والدولي حتى هذه اللحظة لم يرق إلى مستوى الموقف المطلوب لكونه لا يتعدى عن إصدار بيانات شجب واستنكار مقتضبة تصدر غالباً عن المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة القدس ومجلس التعاون الخليجي ومفوضية الاتحاد الأوروبي وبعض وزارات الخارجية والأوقاف وهي ردود لا تتناسب مع خطورة وحجم المخطط التهويدي الذي يجري تطبيقه بتقسيم الأقصى زمنيا ومكانيا وذلك تمهيدا في النهاية لإقامة جبل الهيكل المزعوم، ولذلك فنحن على أبواب عيد الأضحى نقول آن الآوان لصياغة موقف وطني رسمي وموقف عربي وإسلامي لحماية الأقصى من خطر التقسيم لأن القدس وما فيها من مقدسات هي لبّ الصراع وجوهره العقائدي وهي أمانة في أعناق الأمة الإسلامية بأسرها مما يجب أن يخرج الصراع من دائرته الوطنية الفلسطينية إلى الدائرة الأوسع عربياً وإسلامياً فلا معنى أن يستمر موقف الصمت والتخاذل والاستمرار في ممارسة هذا الموقف اللفظي من دول العالم العربي والإسلامي، والوضع الفلسطيني أيضاً يعيش حالة من التردي وضعف وانقسام أعجز من تضع خطة أو استراتيجية تمكن من إنقاذ الأقصى، والمشهد الفلسطيني في حالة إرتباك رغم ما نراه من مواجهات وصمود لشعبنا في القدس والأقصى، لهذا لا بد من إتخاذ موقف فلسطيني بدعم المقاومة الشعبية والعمل على وحدة الموقف الفلسطيني وانتظار خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فصلاة العيد في المسجد الأقصى وزيارة قبور الشهداء وشراء الصغار لألعاب العيد كل هذا يجعل المقدسيين يشعرون بالقلق، ولو لبضعة أيام، رغم الضغوط الحياتية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، لإتمام فرحة بإتمام شعائر العيد التي لا تخلو منها التمنيات بالحرية والاستقلال وإزالة الاحتلال، تمنيات اعتاد الفلسطيني التضرّع بها إلى الله علها تخفف عنه عبء الحياة وتعطيه أملاً في غد أفضل.
من هنا يتطلع الشعب الفلسطيني في عيد الأضحى وهو يفتخر بأسراه الأبطال وأسيراته المناضلات الذين يصنعون فجر الحرية وهم يستقبلون العيد بأشكال وصور متعددة ونظرتهم للعيد تنطلق من بعدين؛ الأول العقائدي والديني وهذا يجعل الأسير يستشعر مكانة العيد ويتعامل معه من هذا المنطلق خاصة أنه مناسبة إسلامية ذات دلالة في الشريعة، ولكن في غمرة فرحتنا باستقبال العيد علينا وعلى الجميع أن يتذكر بأن هناك في سجون الاحتلال لا يزال أكثر من سبعة آلاف أسير، بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ومعاقين.. بينهم وزراء سابقين ونواب وقيادات سياسية، وبينهم من الاسرى المضربين عن الطعام، وهؤلاء جميعاً هم بحاجة دوماً لفعلنا وجهودنا ومساندتنا، ففرحتنا منقوصة لطالما بقى أسير واحد في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
على كل حال جاء العيد هذه المرة على الشعب الفلسطيني مثقلاً بالجراح، ففلسطين الجريحة تعاني من الاحتلال والاستيطان والانقسام، ومخيمات اللجوء والشتات في سوريا ولبنان ترسم خارطة حق العودة وتصَنَع العيد بمسيرات وزيارات الى مدافن الشهداء في المخيمات، وتوجه من خلالها على النصب التذكاري في مقبرة الشهداء التحية لشهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة، وفي مقدمتهم القادة العمالقة الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات وأبو العباس وطلعت يعقوب وخليل الوزير، وسعد صايل وفتحي الشقاقي والشيخ أحمد ياسين وزهير محسن وأبو عدنان قيس وجهاد جبريل وكل الشهداء من فلسطينيين وعرب وأممين استشهدوا على الطريق إلى فلسطين.
ختاماً: كلّ التحية والتقدير للشعب الفلسطيني المرابط على ثرى أرض فلسطين ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وفي أماكن اللجوء والشتات والمنافي، وكل التحية لأرواح الشهداء، وللمعتقلين والأسرى البواسل، وللجرحى الصابرين على الجراح، وكل التحية للشعوب العربية وقواها التقدمية والقومية وقوى المقاومة على امتداد المنطقة، وتحية للشعبين الشقيقين الفلسطيني واللبناني، ونقول أن علينا الاستمرار في طريق النضال والإبداع والتميّز فالشعب الفلسطيني العظيم سيبقى شعلة منيرة تضيء سماء فلسطين.