Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

كلام الشمري عن القدس وفلسطين جهل بالدين والتاريخ

عبد العزيز الكحلوت

لم يكن الإعلامي السعودي فهد الشمري قبل هذه الترهات والأكاذيب التي وصف بها شعب فلسطين العظيم معروفا، ولكن بعد حديثه عن فلسطين وأهلها وقدسها بات أيضا ممقوتا من الشعب العربي كله، الذي أعطى حبه لفلسطين وأرضها وشعبها ومقدساتها.

تصريحاته بشأن المسجد الأقصى وفلسطين وشعبها بلغت حدا من الكذب والسفه الذي يدل على جهله التام بالدين والتاريخ. وما كان ينبغي له ولأمثاله اعتلاء المنابر والتفوه في مثل هذه القضايا المقدسة، فمثل هؤلاء مكانهم الأسواق يثرثرون فيها كما يشاءون .

المسجد الأقصى لم يكن يوما معبدا يهوديا ولا كان الفلسطينيون بلا شرف وتاريخ ولا مرتزقة شحادين بل كانوا بناة حضارة علموا العالم لغته وأعطوا أوروبا اسمها كما ذكرت الأسطورة الفينيقية وكانوا أول من خاض بحار العالم غدوا ورواحا وأول من مارس عولمة التبادل السلعي والمعرفي فوصلوا بحر الشمال وبلاد الغال وبريطانيا ونشروا ثقافتهم في حوض البحر المتوسط وطوروا صناعة السفن وداروا حول رأس الرجاء الصالح قبل فاسكو دا جاما بمئات السنين وعلموا الإغريق لغتهم وما تزال بعض الكلمات اليونانية والأوربية متشابهة مع العربية والآرامية.

وقد قالها هيرودوت صراحة "لقد تعلمنا اللغة من قدموس الفينيقي" وقد قدم سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى ملك القدس الكنعاني ملكي صادق (بمعنى ملك البر في الكنعانية) عشر ما يملك فباركه بنص التوراة وعندما أراد سيدنا موسى العبور إلى فلسطين قال له قومه " إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون(المائدة 22) فوجود الكنعانيين (أي الفلسطينيين ) ومن فروعهم الفينيقيون سابق على أي وجود آخر وهو ما ذكرته التوراة صراحة لا ضمنا وقد توالى الغزاة على فلسطين فذهبوا وبقي الفلسطينيون إلى يومنا هذا .

يجوع الفلسطيني ويعرى ويموت، لكنه يتحدى ويقاوم ولا يستسلم ويعطي للشعوب دروسا في الصمود والصبر والمقاومة .الفلسطينيون قدموا مئات الآلاف من الشهداء ويقاومون الاحتلال الإسرائيلي رغم حصار العرب لهم وحرمانهم من أبسط مستلزمات الحياة وهم رغم كل الصعوبات ساهموا في نهضة شعوب الوطن العربي.

أما قول الشمري بأن مسجدا في أوغندا أبرك من القدس وأهلها، فقول ينم عن جهل بالدين وانحطاط في الخلق، وتطاول على العزيز الرحمن فالقدس زهرة المدائن وأرض المحشر والمنشر وأرض الطهر والنقاء مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبوابة السماء على ترابها مشى الأنبياء ومسجدها الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين إليه تشد الرحال وإليه تهفو القلوب وتهوي الأفئدة وفيه أَم النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء فتعطر بأنفاسه المكان وحلت به البركة ورعاه العزيز الرحمن .

كلام الشمري الذي بالقطع لا يمثل شعبنا المؤمن الطيب في السعودية ولا الخليج يعد كفرا وتمردا على كلام رب العزة الذي نزل من فوق سبع سماوات موضحا أفضلية وبركة بيت القدس وما حوله (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة للشام واليمن. أما نجد فقال إن منها يطلع قرن الشيطان وذلك في الحديث الذي رواه البخاري "اللهم بارك لنا في شأمنا، الله بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله في نجد؟ (قال الراوي) فأظنه قال في الثالثة: هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان".

ولا ننسى أن ثمة أحاديث كثيرة في فضل بلاد الشام لا يتسع المكان لذكرها وأنها بلاد الرباط والجهاد وكونها محل الطائفة المنصورة ويكفينا في هذا الصدد أن نذكر ما أورده أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيصير الأمر أن تكونوا جنودا مجندة: جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق قال ابن حوالة: خر(أي: اختر) لي يا رسول الله إن أدركت ذلك فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله".

وبالتأكيد ما كان لفهد الشمري أن يطلع علينا بترهاته وافتراءاته لولا أن ركب بلاده بات يسير في درب التبعية العسير لإسرائيل ولولا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قال في مقابلة أجراها معه رئيس تحرير مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية جيفري غولدبرغ قبل انطلاق مسيرات العودة على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، كلاما يشبه كلام الشمري حيث قال إنه "ليس هناك أي اعتراض ديني على وجود دولة إسرائيل، وأن اليهود لهم الحق في العيش بسلام على أرضهم وأن السعودية تشترك في كثير من المصالح مع إسرائيل"، وفي نوفمبر من العام 2018 استقبل ولي العهد السعودي ابن سلمان وفدا من قادة المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين؛ تأكيدا منه على الانفتاح الديني والتسامح حتى مع الإنجيليين الذين وضعوا هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث على أنقاضه كأحد أهم الأهداف التي يعملون ليل نهار على إنجازها وكان من بين الوفد الزعيم المسيحي الإنجيلي الورع مايك إيفانز مؤسس جماعة (جيروزالم برايرتيم) أي فريق الصلاة في القدس وثمن الوفد اللقاء الذي دام ساعتين واعتبروه لقاء تاريخيا غير مسبوق.

السفير ليفانون كان قد صرح مؤخرا في مقابلةٍ تلفزيونيّةٍ أنّ العاهل السعوديّ سلمان هو الذي أعطى الضوء الأخضر لدول الخليج للتطبيع مع إسرائيل مشدّدا على أنّه بدون قرارٍ من الملك السعوديّ ما كان وليّ العهد، محمد بن سلمان، ليستمرّ بالمضي قُدُما للتطبيع مع الدولة العبريّة (إسرائيل اليوم 22/6/2019) .

فنحن لا ينبغي أن نلوم الصغار الذين يروجون لسياسات بلادهم التي باتت تلتمس العزة والمنعة عند إسرائيل فحسب وإنما ينبغي أن نلوم هؤلاء الكبار الذين والوا الأعداء المغتصبين لمسجدنا الأقصى ولفلسطيننا واتخذوهم بطانة وأحبابا وشاركوهم في التآمر على شعبنا الفلسطيني وعلى المقدسات في سقوط تاريخي غير مسبوق .

ولأن المملكة السعودية تقود قطار التطبيع فسوف يخرج علينا كل يوم شمري جديد ورويبضة جديد ليتحفنا بمزيد من الأكاذيب فهؤلاء آثروا الحياة الدنيا واطمأنوا بها فهانت عليهم أنفسهم حين جلسوا مع من اغتصب فلسطين ودنس المسجد الأقصى فأقاموا الحفلات والليالي الملاح كما حدث في البحرين حين حضر جمع من حاخامات حركة حياد اليهودية المتطرفة -التي تدعو لقتل العرب- وأعيان البحرين للاحتفال بالحانوكاه اليهودية وأضيئت الشموع على أنغام أغنية " شعب إسرائيل شعب حي " وغنى الجميع ورقصوا.

لذلك لم نستهجن تصريحات وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة الذي أكد لإحدى القنوات الإسرائيليّة على حق الكيان الصهيونيّ في الوجود وأشار فيها إلى ما يُسمى الرابط التاريخي بين الشعب اليهوديّ وأرض فلسطين فهذا الوزير شأنه شأن ابن سلمان وشأن الذين حضروا مؤتمر وارسو وورشة البحرين، فقد أداروا ظهورهم لفلسطين ومسجدها الأقصى، ومضوا إلى غير رجعه في طريق الاستسلام لمشروع إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، رغم أنهم ليسوا من دول الطوق ولا معارك خاضتها جيوشهم من أجل فلسطين، وليس مطلوبا منهم إلا الكف عن التزلف لإسرائيل بالتنازل عن حقوق الفلسطينيين، وتبقى الكلمة الفصل لشعوب الخليج، وهي شعوب عربية مؤمنة، ومن واجبها أن تتصدى لهذه الأصوات التي تجاوزت ثوابت الدين والتاريخ، وتحاول -شأنها شأن بلفور- أن تعطي ما لا تملك لمن لا يستحق .

عن صحيفة الشرق القطرية