يتدفق آلاف اللاجئين العرب من فلسطينيين وسوريين وعراقيين وغيرهم إلى القارة الأوروبية، التي تحاول قدر الإمكان فتح أبوابها أمام هؤلاء المنكوبين بأنظمتهم السياسية وحالة الحرب والدمار التي جاءت في ظل "الفوضى الخلاّقة" التي تشكّلت خلال العقد الجاري، وتأثرت بها معظم الدول والكيانات العربية، وتسببت بكوارث وانقسامات لم تكن في حسبان الأنظمة السياسية والمواطنين على السواء.
رحلة اللجوء إلى أوروبا ليست نزهةً، وإنما هي لعبة حظ ليس لها إلا وجهان، إما الموت وإما الحياة... الموت بين الأمواج وفي قلب "المتوسط" الذي ابتلع المئات خلال الأشهر الماضية، ومن بينهم الكثير من الفلسطينيين، سواء الذين هُجِّروا للمرة الثالثة أو الرابعة من سورية ولبنان، أو حتى أولئك الذين غادروا قطاع غزة من أجل البحث عن مكان آمن أو ربما توفير لقمة عيش ليست مغمّسةً بالدم، فكان المصير الموت دون أن يعرف أحد مصيرهم النهائي أو حتى قبراً يمكن لذويهم زيارته في يوم ما.
اللافت أن الدول العربية في مجملها تراقب موجات اللاجئين إلى أوروبا، وكأنّ الأمر لا يعنيها ولا يهمها... ولم تكلف نفسها حتى المساهمة في إغاثة اللاجئين، الذين ربما لكثير من هذه الدول مسؤولية عن ما يحصل في بلادهم.
فلا يعقل مثلاً ألا تقبل غالبية الدول العربية (ما عدا تلك التي لها حدود مع سورية المنكوبة) أياً من اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين على أراضيها ولو لفترة مؤقتة حتى زوال أسباب اللجوء. بل على العكس من ذلك، فإن الدول العربية شدّدت كثيراً من إجراءاتها تجاه دخول من يحملون جنسيات الدول المنكوبة إليها، وفي كثير من الأحيان حجزهم في المطارات وإعادتهم من حيث جاؤوا.
الغريب في الأمر أن الدول الأوروبية التي يُصنِّفها كثير من الأميين العرب أو أغنياء الطفرة على أنها دول كفر وأعداء... هي التي فتحت حدودها وقدمت المعونات إلى هؤلاء الأطفال والنساء والشيوخ الذين عانوا من هول رحلتهم قبل وصولهم إلى أراضيها.
ولعلّ صورة الطفل السوري الغريق التي انتشرت في الصحافة العالمية وأوجعت ضمير العالم وأبكت كثيراً من الأوروبيين ومن بينهم قادتهم، لم تؤثر في القيادات العربية، وحتى لم نسمع رد فعل إنسانياً يُجاري هذا الحدث، ما يدلّ على أن العالم العربي ما زال يعيش في زمن القبيلة والعشيرة التي ليس لها مصالح سوى مع أفرادها، وبالتالي لا تأثير إنسانياً عليها ولو كان الموت الجماعي لمئات البشر.
أوروبا وبشكل خاص ألمانيا بدأت توزيع اللاجئين واستيعابهم، بل إن آخر استطلاع للرأي في ألمانيا أكد أن غالبية المستطلعين هم مع استيعاب اللاجئين. علماً أن تقارير اقتصادية أكدت أن هؤلاء اللاجئين الذي يمثل الشباب والأطفال الغالبية العظمى منهم سيكونون الدافع القوي للاقتصاد الألماني خلال السنوات القادمة.
إذن، حتى مفهوم الاستفادة من هؤلاء المنكوبين العرب من خلال مساهمتهم في التنمية الاقتصادية لم تنظر إليه أي من الدول العربية بإيجابية... لسببٍ واحد، وهو أنه لا اقتصاد حقيقياً في هذه الدول، وإنما اقتصاد ريعي قائم على ثروات الأرض، فإذا ما انتهت هذه الثروات فربما نعود للقرون الوسطى.
السؤال: هل تتغير المعادلة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، أم أن العرب سيصدرون عشرات البيانات المؤكدة تعاطفهم مع اللاجئين والمطالبة أوروبا بمزيد من المساعدة؟!.