ركزت الصحف الإسرائيلية في مقالاتها أمس على أحداث القدس، معتبرة أن ما يحدث فيها هو انتفاضة ثالثة لا يعلم أحد مدى اتساعها. كتاب مقالات اتهموا اليمين الإسرائيلي بإشعال نار القدس من خلال تصريحاتهم وأعمالهم الاستفزازية وخاصة الاقتحامات الاستعراضية للمسجد الأقصى.
الأخطر بالنسبة إلى الإسرائيليين هو اكتشافهم أن سياستهم تجاه المقدسيين قد فشلت من خلال محاولات فصلهم عن شعبهم الفلسطيني... ولعل محاولات الإغراء وتمييز المقدسيين من خلال منحهم بعض التسهيلات سواء في مجال الحركة أو العمل قد أثبتت اليوم فشلها، لأن الفلسطيني يظل جزءاً من شعبه والإغراءات الاقتصادية مجرد وهم سينتهي في لحظة ما.
اليوم تعترف قيادات إسرائيلية بأن تشديد العقوبات بحق الفلسطينيين في القدس سواء بالاعتقال أو الغرامة المالية أو محاولات الإبعاد عن المدينة لن يزيد الأوضاع إلا اشتعالاً، وأن هذا الحل هو وصفة جديدة لصب الوقود على نار الهبة الفلسطينية المشتعلة في أحياء القدس.
منذ بدأ الاستفزاز الاستيطاني في الحرم القدسي واستخدام كل الأساليب لإثارة الفلسطينيين في الأقصى، التزمت القيادة السياسية الإسرائيلية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو الصمت، بل وشجعت ذلك في أحيان كثيرة بطريقة غير مباشرة من خلال تصريحات هي أقرب إلى الدعاية الانتخابية.. ولعلها كانت تراقب على قاعدة إذا نجح الأمر وشكل واقعاً جديداً في الحرم القدسي فهو أمر جيد وإذا حصل تطور ما فيمكن التراجع.
نتنياهو لم يتوقع تدحرج كرة الثلج المقدسية بهذا الشكل، وهو يعلم الثمن الذي دفعه في معركة النفق، ولهذا أدرك أنه لن يستطيع الوقوف أمام تسارع العاصفة التي هبت في القدس في ظل وضع خارجي متأزم سواء مع واشنطن أو الاتحاد الأوروبي، وتصاعد ردود الفعل العربية رغم الظروف التي تمر فيها المنطقة.. ولهذا كان لا بد له من الانحناء أمام العاصفة.. كي تمرّ بأقل خسائر ممكنة. ولكن انحناء نتنياهو أمام عاصفة المقدسيين لا يعني بالمطلق تغيير أفكاره.. ولعل تأكيده للعاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين خلال اتصال هاتفي قبل يومين أن الأوضاع في الحرم القدسي ستبقى على حالها هو جزء من سياسة الانحناء في هذا الظرف.
لم يقتصر الانحناء على نتنياهو، فالرئيس الإسرائيلي أيضاً وبصفته أحد أعضاء الليكود.. بدأ منذ أيام حملة للاتصال مع المستوطنين الذين يواصلون عمليات الاقتحام الاستعراضية، طالباً منهم التوقف ولو جزئياً في الوقت الراهن.
إذن هي قوة الفعل الفلسطينية على المستويات كافة.. أولاً: قدرة المقدسيين على المواصلة، وعدم إبداء أي إشارات ضعف رغم قمع الاحتلال، وثانياً: موقف الجماهير الفلسطينية في كل أماكن وجودها في فلسطين التاريخية أو في الخارج، وثالثاً: موقف القيادة الفلسطينية الثابت والمؤيد بشكل مطلق للفلسطينيين في القدس وحقهم في الدفاع عن المقدسات والوجود الفلسطيني في العاصمة الأبدية.
بقوتنا الجماهيرية ومواجهتنا الشعبية أجبرنا نتنياهو على الانحناء.. وهذا درس يجب تعلمه.