ذهب كل واحد إلى بيته وعمله؛ وانتهى دفن عائلة دوابشه؛ من طفل رضيع وأم وأب؛ ولم يبقى من العائلة سوى الطفل أحمد؛ الذي قال ومن دون وعي لحظة استشهاد أمه رهام حرقاً على يد المستوطنين: "بدي... ماما"؛ وبقي يبكي لساعات؛ وكأنه شعر بفقدانها.
"بدي ماما"... ستبقى لعنة تلاحق كل الظالمين في كل زمان ومكان؛ لعنة على المستوطنين المستجلبين بقوة السلاح والإرهاب فوق الأرض الفلسطينية المحتلة؛ ولعنة تلاحق كل من آزر ووقف ودعم وساند ولم يحرك ساكناً؛ لوقف ولجم أبشع جريمة في العصر الحديث؛ بحرق الأطفال وأمهاتهم على مرأى ومسمع من العالم.
الطفل الفلسطيني أحمد (4 سنوات)؛ وبرغم قوة ووجع الحروق في جسده الطري؛ وعلى غير عادته، يطالب برؤية أمه الشهيدة لحظة استشهادها؛ وما علم أن أمه سيواريها التراب بعد وقت قصير من طلبه؛ ورحلت – بغير رجعة - لعليين في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
الطفل أحمد؛ أحسّ بانتزاع جزءٍ من روحه، بعد أن جرت الدموع على آثار الحروق التي شوّهت وجهه البريء؛ وراح يطلب بحقه الطبيعي برؤية أمه؛ وما علم أن مستوطنين وحوش على شكل بشر؛ حرقوا والدته وأبيه وشقيقه الطفل الرضيع علي.
من الآن فصاعدا وفي كل مرة؛ الصمت...ثم الصمت...سيكون الحال؛ عندما يسأل الطفل أحمد من بجواره عن أمه وشقيقه الرضيع؛ والهدوء سيخيم على المكان، وتأخذ دموع الرجال سبيلها أمام آلام الطفل أحمد؛ ولا جواب يعطى للطفل أحمد حتى يستريح من تكرار سؤاله.
أحمد وبرغم ما يحمل من نار الشوق العارم لأمه، إلا أنه لم يتلق جواباً على سؤاله؛ ولا أحد يجرؤ على الإجابة عن سؤاله؛ بأنها رحلت ولن تعود مجدداً، ولن تداوي حروقه؛ ولن تلاعبه مع شقيقه علي.
كمستقبل فلسطين؛ ما هو مستقبل الوجع للطفل أحمد؛ هل سيكرر زيارة قبر أمه ويسألها لماذا رحلت بسرعة؛ دون وداع؟! هل سيبقى أحمد شاهداً على المحرقة، يكتوي بنارها كل صباح، عندما يفتح عينه ولا يجد أمه بجواره؟! وهل – عندما يكبر- سيطوف العالم شاهداً على إجرام ووحشية الاحتلال والمستوطنين؟!
سيروي الطفل أحمد للعالم اللحظات الأخيرة الصعبة لمشهد الحريق الذي التهمه مع عائلته، وسيقول أنه رأى المستوطنين يضربون والده وشاهد والده يحترق، بينما هرب هو لداخل البيت المشتعل خائفا منهم، لتلتهمه النيران.
لطم الخدود وشق الجيوب؛ والنحيب والبكاء على حرق عائلة دوابشه؛ هو ديدن الضعفاء على مدار التاريخ؛ فمن أراد أن يوقف مسيرة الإجرام عليه أن يزيل مسبباتها؛ فلولا وجود الاحتلال لما وجد المستوطنون؛ ولولا ضعفنا وهواننا عل الناس وانشغالنا ببعضنا البعض، واتفاقيات عقدت في أتعس الأوقات ومرحلة ضعف؛ ودون أوراق قوة ضاغطه؛ لما تجرأ مستوطن حاقد وجاهل مستجلب من الخارج؛ على فعل كل ما هو قبيح وشنيع من الأفعال الإجرامية وتفنن فيها بطقوس شيطانية رجيمة.