اجتاحت مخيمات اللجوء والشتات الفلسطيني وحتى دول المنطقة التي تشهد موجة واسعة من الهجرة تركزت في أوساط العائلات والشباب الى الدول الاوروبية، والسؤال هنا برسم الجميع هل هذه الهجرة مخطط لها وترعاها سماسرة من قبل جهات دولية،
علماً ان حركة الاتجار بالشباب هي بازدياد حيث تقوم بها سماسرة نجوم السوق السوداء ومكاتب سفريات، وأيضاً وسطاء الهجرة، وللأسف ومع كامل العلم أن رحلة الموت غير قانونية وقد تفضي إلى سجن أو ترحيل أو عملية نصب كبيرة فإن روادها من الشباب مازال في تصاعد يومياً، وهذا ما لمسناه على شواطئ تركيا، وسط الكلام المنمق، ولكن هنا يرتسم السؤال عن الطفل السوري الكردي "ايلان الكردي" الذي جرفته الأمواج مع الأم وأخيه الطفل غالب، الامر الذي احدث صدمة لدى كل اصحاب الضمائر الحية، وفجّر الحزن والغضب، كما غيرهم من شهداء البحار، وكذلك المهاجرين الذين يواجهون خطر الموت ممن ركبوا البحر او الشاحنات المبردة بحثاً عن الحياة في اي بقعة آمنة من العالم تحفظ كرامتهم وانسانيتهم، لهذا نقول اين هي الإنسانية على شاطئ تركي بعيد، فقد آن الأوان للقيام بتشخيص المسألة ووضعها في إطارها ألموضوعي.
لذلك من المسؤول عن هذا النزيف والهجرة غير الشرعية التي تدق ناقوس الخطر بين الفقر وعدم الثقة، وخاصة ان هناك المئات من الشباب المفقود دون أن يعرف عن مصيرهم أي شيء، أما الناجون فيتعرض عدد كبير منهم للحجز على الشواطئ الأوروبية وللمعاملة غير الإنسانية بشهادة الصليب الأحمر ومفوضية شؤون اللاجئين. ويواجه من ينجح بالدخول إلى أوروبا استغلال أصحاب الأعمال وعدم تمتعه بحقوق تذكر فضلاً عن العنصرية التي يخاطرون بحياتهم وبكل ما لديهم حالمين بتحقيق مستوى معيشي أفضل والتخلص من شبح الفقر الذي يطاردهم في بلادهم.
ان هذا المشهد الدرامي للهجرة غير الشرعية في هده الايام عبر البر والبحر حيث مئات الشباب يتحولون الى جثث مرمية على شاطئ البحر بدون شفقة ولا رحمة تلطخت يداهم بالدم منهم من ينجح في العبور ومنهم من تلقي جثثه على شاطئ البحر وحتى ولو عبر الى الغربة يعيش مدلول بين قارورات النفايات وكأنه لن يجد قوته في بلاده مع انه كان حراً في بلاده يصبح عبد مملوك يسعى للقمة العيش اليومي وبدون اي هوية، وهنا الطامة الكبرى نتخيل الصورة التى لو اكتملت بوصولهم الى شواطى ستجد ان هذا الهارب من وطنه ذاهباً الى دولة اخرى فى جنح الظلام ستجده هارباً من كل شخص، وستجد من يستغله دون ان يستطيع ان يتحدث او يطالب بحق له التى اضاعها في بلده وأريد ان ضيف سنجد ان هذا الشاب قد قام ببيع ما يمتلكه أباه وأخواته من اجل ركوب قارب فى مياه البحر المتلاطمة املاً منه فى الرجوع فاحش الغناء فكيف يحدث هذا لو كان الامر بهذه الطريقة لكان كل الناس أغنياء. لا يكاد يمرّ يوم إلا ونستيقظ علي فاجعة عشرات من الشباب أبحرت بهم قوارب صيد صغيرة إلي عمق بحر كبير والنتيجة المئات منهم ذاب جسده وذابت معه أحلامه في أمواج البحر العاتية الكثير من القصص تدمي القلوب لا داعي لسردها لأن ليس هذا هو الهدف ولكن للأسف ضاع كل ذلك وبقيت الحسرة واللوعة تعتصر قلوب أهليهم ودويهم منهم من له ابناء اصبحوا عرضة للشارع ومنهم شباب لم يحلموا بالحياة بعد وضاع الحلم واصبح الحلم نزيف في ضياع فلذات أكبادهم فالشاب يخرج من الجامعة يريد بناء مستقبلة لكى يتزوج ويبنى بيت ويعيش حياة سعيدة، وفجأة يخرج من الجامعة ويصدم بالواقع المرير، يمكن القول إن نسبة مؤثرة من نخبة الجيل الفلسطيني الجديد قد استقرت في بلاد الغرب البعيدة كندا وأميركا فضلاً عن دول أوروبية محددة بينها ألمانيا وبعض المعسكر الاشتراكي السابق، والسؤال هنا هل يمكن القفز من فوق حقائق مؤلمة تعيشها بلاد عربية كثيرة، تعيش حروب وارهاب وفوضى، وشعبها مهدد بمصير مشابه لمصير الفلسطينيين. وخاصة إن نصف العرب، تقريباً، يعيشون حالة لجوء داخل أوطانهم أو في مخيمات خارجها، يقاومون البؤس والجوع والحرمان من "دولتهم" التي كانوا "مواطنين" فيها.
المهم ان الشباب الفلسطيني اصبح الآن بين نار العيش في ظروف مستحيلة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا ونار المغادرة الى المجهول والموت في عرض البحر او بين انقاض الأنفاق بعد ان يدفع كل ما يمكن ان يمتلكه للسماسرة والمهربين وأصحاب النفوذ والتحكم والسيطرة.
وفي ظل هذه الظروف يقع الشباب الفلسطيني في لبنان وفي اكثر من بلد، فريسة سماسرة الهجرة والموت، الذين يستغلون الاوضاع المأساوية التي يعيشها شبابنا الفلسطيني في بلدان اللجوء والشتات، هذا الواقع، يدفع الآلاف من الشباب الفلسطينيين، للبحث عن حلول تمكنهم من توفير حياة وواقع افضل لهم ولعائلاتهم، فكانت الهجرة هي إحدى الخيارات المرة لهؤلاء الشباب، ولأن الفلسطيني مقفلة بوجهه كل أبواب العالم، فكانت الهجرة غير الشرعية عبر القوارب هي الممر الإلزامي للخروج من لبنان باتجاه الدول الاوروبية.
عشرات القوارب التي حملت شبابنا، عانت مآسي كبيرة في عرض البحر، منها من تعرّض لإطلاق النيران ومنها من تعرض للإختطاف، ومنها من غرق، والبعض منهم تمكن بعد قطع آلاف الأميال في عرض البحر وعبور حدود العديد من الدول بحثاً عن مأوى بديل ليستقر في هذه الدولة الاوروبية أو تلك.
ان حرمان شبابنا من حق العمل يشكل السبب الرئيسي الذي يدفع شبابنا للمخاطرة بأنفسهم بقوارب الموت هرباً من حالة الظلم والحرمان التي يعيشونها في مخيمات لبنان، ووكالة الاونروا معنية ايضاً بوضع برنامج خاص لتمكين الشباب الفلسطيني وتوفير فرص العمل له، ودعم المشاريع الإنتاجية والتشغيلية للشباب.
إن ما يتعرّض له شبابنا الفلسطيني اليوم من مخاطر تهدد مستقبلهم وحياتهم، تشكل خطراً كبيراً على مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل اللاجئين وحق العودة. فشبابنا كانوا ومازالوا عماد الثورة واحد أعمدة النضال الوطني الفلسطيني، وحمايتهم مسؤولية وطنية ينبغي التعاطي معها بجدية ومسؤولية.
وأيضاً هناك مسؤولية على مؤسسات المجتمع المدني والأوساط الشعبية والوطنية وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية العمل من اجل احتضان الشباب الفلسطيني في المخيمات، لأن هدف هذه الهجرة يمس بحق العودة إلى فلسطين، صحيح ان هناك ازمة بطالة وعدم وجود عمل وملل يعيشه الشباب الفلسطيني، ولكن لا يجوز الإنتحار الجماعي بعرض البحر، لأن المؤامرة التتي تحاك ضد الشعب الفلسطيني واضحة وهي العمل على شطب حق العودة من المفكرة الفلسطينية، من خلال اخراج الشباب الفلسطيني عبر سماسرة الهجرة وترك المخيمات طلباً لظروف أفضل للعيش وإفراغ المخيمات من خزان المقاومة وإحداث هوة بين الأجيال المقاومة التي شاخت وبين الأجيال الجديدة لتحقيق منافع المقاومة وشباب حق العودة.
وامام خطورة الهجرة يحتاج اللاجئون والمهاجرون إلى معاملة إنسانية واستيعابهم وإعادة تأهيلهم من حالة الإنهاك الجسدي والصدمة النفسية، من أهوال الحرب والعنف في بلدانهم أو مخاطر رحلة محفوفة بالمخاطر، فلا بد من تضافر جهود المنظمات والدول الأوروبية واستقبالهم في مراكز الإيواء بما يليق بكرامتهم الإنسانية، فبينهم نساء وأطفال، أما على المدى البعيد، فالعمل بجدية على الهجرة، فدول المنطقة صحيح ملتهبة لا زالت تتحمل عبئا يفوق قدراتها، ولكن على المنظمات الإنسانية القيام بواجبها الإنساني، وهذا مسؤولية العالم بأسره.
وهنا نقول لكل من يعنيهم الأمر أعطوا الشباب الفلسطيني حقه في العمل والتوظيف والتنظيم والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية لتبقى راية فلسطين وشعلتها مضيئة، سؤال صعب ومؤثر، ولكن نقول ان المخيمات الفلسطينية التي كانت شعلة الثورة الفلسطينية والتي قدّمت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى لإعلاء كلمة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي خاضت معارك العزة والبطولة في كل مراحل النضال الوطني ضد العدو الصهيوني، هي اليوم جريحة تعاني ما تعانيه، فمخيمات سوريا حزينة على غياب اهلها وغياب العنوان الوطني الفلسطيني، كما هجرة شباب مخيمات قطاع غزة، ويحزِنك ما يجري في مخيم عين الحلوة، يحزنك هجرة الآلاف عبر البحار كي يصلوا أوروبا ومنهم من يستشهد في الطريق ومنهم من يبتلعه البحر ومنهم من يترك أطفاله، فهذه الهجرة المتسارعة إلى أوروبا من المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان وقطاع غزة والضفة والقدس، لها هدف واحد هو تهجير ابناء المخيمات باعتبارها تمثل رمز للنضال وعنوان حق العودة، ومن يقف وراء ذلك هو الكيان الصهيوني بالتعاون مع أطراف فلسطينية لا تؤمن بحق عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم ، وهذا مما يتطلب تحرك لحماية هؤلاء الشباب الذين هم من يحملون شعلة النضال وهم من ينقذون المخيمات من الجماعات التكفيرية المضللة والظلامية التي تريد تنفيذ اجندات خارجية هدفها تهجير الشعب الفلسطيني والقضاء على المخيم كعنوان لحق العودة، والا سيصل شعار الشباب العربي الى كل الفصائل والقوى التي تلبس قياداتها البدلات الأنيقة وربطات العنق والسيارات الحديثة ولم تسكن أزقة المخيمات ولم تذق طعم الوقوف في طوابير مساعدات الأونروا وتصبغ وجوهها لتحسين صورتها امام الفضائيات، مما يستدعي من كل القيادات وقفة جادة ومسؤولة تقدم الحلول والمعالجات لمشكلات الشباب الفلسطيني عبر توفير ابسط مقومات الحياة الكريمة وتوفير فرص العمل وتمكين الشباب من تحقيق طموحاتهم واحلامهم.
ما أود قوله بالتأكيد، تعتبر الهجرة غير الشرعية وصمة عار، ويجب أن نرفع الصوت في أوجه المستغلين، وأصحاب المطامع، وتداعيات الحرب الجارية في المنطقة دفعت هذه القضية إلى السطح بشكل لافت، فالفاتورة التي دفعها ولا يزال يدفعها الشباب باتت جسيمة وباهظة الثمن، فقد فاقت آثارها كل التوقعات، فالهجرة التقليدية لم تعد قائمة بصورتها العادية، إنما تحولت إلى هجرة غير شرعية، الأمر الذي يشكل خرقاً لنظام الهجرة والأمن المعتمد وخاصة في البلدان الأوربية، وتفشي ظاهرة الهجرة غير الشرعية لقاء أمل ضئيل بحياة أفضل، ليست إلا مدلولاً حاداً على شيوع اليأس لدى الشباب وعمق الأزمة والضغوط الخاصة، وتراجع حسّ الانتماء إلى القضية والوطن أو ضعف الثقة به.
ختاماً: ان الشعب الفلسطيني وعلى وجه الخصوص شبابه يعيشون مآسي حقيقية إن قضية الهجرة السلبية، على رغم مراوحتها عند حدود معينة هي أقل من مثيلاتها في دول مستقرة في العالم، إلا أنها تبقى قضية تستحق منا الوقوف أمامها، والتفكير بها جيداً، وهو ما يلقي على جميع الفصائل والقوى الفلسطينية وعلى منظمة التحرير مسؤولية الالتفات إلى تلك الظاهرة ومعالجتها، وفي الوقت نفسه تنمية التواصل مع الجاليات الفلسطينية في دول أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، باعتبارها رصيداً هاماً للشعب الفلسطيني في معركته مع الاحتلال.
* عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية.