أعلن أكثر من موظف كبير في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) خلال الآونة الأخيرة، أن الوكالة بصدد تقليص خدماتها الصحية والتعليمية والإغاثية لنحو 5 ملايين ونصف مليون لاجئ فلسطيني يقيمون في خمس مناطق لجوء هي سورية ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، بحجة أن الوكالة تعاني من عجز مالي بلغ 101 مليون دولار.
وقد أجرت الوكالة تعديلاً قانونياً يتيح لمفوضها العام منح الموظفين إجازات استثنائية من دون راتب لمواجهة العجز المالي الراهن. وبموجب التعديل في حال إقراره بصورة نهائية، ستتوقف الوكالة عن دفع رواتب موظفي برنامج التعليم التابع لها، والبالغ عددهم في مناطق عملياتها الخمسة أكثر من 22 ألف موظف، في حال قررت تأجيل العام الدراسي في 700 مدرسة في مراحل تعليمية مختلفة، تضم مئات آلاف الطلاب والطالبات.
واللافت أن الأنباء عن تقليص خدمات «أونروا» ترافقت مع صدور تقرير إسرائيلي طالب بالإسراع في إنهاء عمل الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل سريع، معتبراً التوقيت فرصة ذهبية لتنفيذ ذلك، في ظل أزمتها المالية. واعتبر التقرير الذي أعده أحد مراكز الأبحاث في "إسرائيل" ونشرته وسائل الإعلام هناك، أن إنهاء عمل الوكالة كفيل بالقضاء على حق العودة، وتصفية أي أمل للاجئين بالعودة إلى ديارهم، وبالتالي إمكانية شطب القرار 194 من أجندة الأمم المتحدة.
وثمة إجماع بين المتابعين على أن «أونروا» لا تبحث عن حل لأزمة عجزها المالي، بل تعتبرها عاملاً مساعداً لإيقاف خدماتها للاجئين الفلسطينيين، وبالتالي إنهاء قضية اللاجئين التي تحاول "إسرائيل" تصفيتها وفق مشاريع تهجير وتوطين، يتم الإعلان عنها بين فترة وأخرى. وتبعاً لذلك أشار بعض المعلقين إلى أن عدم إيفاء المانحين– وخاصة الولايات المتحدة- بالتزاماتهم قد يكون سببه مخططات إقليمية ودولية للحد من عمل الوكالة، ودفعها نحو إنهاء خدماتها، ما يعني تصفية قضية اللاجئين.
وفي السياق نفسه يجري الحديث عن أن الوكالة تقوم بالإعداد لفصل حق استحقاق الخدمات عن حق تسجيل اللاجئين، وبذلك يصبح اللاجئون فئتين: لاجئ مسجل ولاجئ مسجل ومستحق، وهذا يعني أن ليس كل لاجئ مسجل في سجلات «أونروا» يستحق الخدمات التي تقدمها الوكالة، من تعليم وصحة وإغاثة، ما يؤدي إلى حصر الخدمة فقط بالحالات الصعبة، وبذلك يتم إغلاق نسبة كبيرة من برامج الخدمات، لأن تعريف المستحق سيصبح مرتبط بالحد الأدنى للأجور في مناطق عمليات «أونروا»، في دول اللجوء الخمس المشار إليها.
الأخطر من ذلك هو تواتر الحديث الإعلامي حول وجود ضغوط دولية قوية لإعادة تعريف صفة اللاجئ الفلسطيني، بحيث يصبح اللاجئ هو من خرج من فلسطين سنة 1948 وأن صفة اللجوء لا تورّث. وبالإضافة إلى ذلك سيتضمن التعريف الجديد أن اللاجئ الذي يتمتع بأي جنسية أو إقامة دائمة في أي بلد ستسحب منه صفة اللاجئ، وبذلك تصبح «أونروا» مسؤولة فقط عن حوالى 30 ألف لاجئ فلسطيني، تزيد أعمارهم عن 67 سنة، وتتخلى قانونياً عن الخمسة ملايين وخمسمائة ألف لاجئ المسجلين في سجلاتها خلال العام الحالي.
في مقابل ذلك، تعرّف «أونروا» اللاجئ الفلسطيني منذ انطلاق عملياتها في عام 1950، بأنه كل من كان يقيم في فلسطين خلال الفترة ما بين حزيران (يونيو) 1946 وحتى أيار (مايو) 1948، والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948. ولهذا يجب أن تكون الخدمات التي تقدمها «أونروا» متاحة للاجئين كافة الذين يقيمون في مناطق عملياتها، والذين ينطبق عليهم هذا التعريف، والمسجلين لديها ويحتاجون إلى المساعدة. كما أن ذرية أولئك اللاجئين الفلسطينيين الأصليين يستحقون أيضاً أن يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة.
عندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تلبي احتياجات ما يقارب 850 ألف لاجئ. واليوم، هناك ما يقارب 5 ملايين ونصف ميلون لاجئ فلسطيني يستحقون الحصول على خدمات «أونروا»، أكثر من خمسين في المائة منهم أطفال، ما يعني أن فئة الأطفال الفلسطينيين ستكون الأكثر تضرراً من تقليصات خدمات الوكالة.
وفي ظل محاولات تصفية «أونروا»، لا بد من اتخاذ موقف عملي من منظمة التحرير الفلسطينية للضغط من خلال علاقاتها الدولية على الأمم المتحدة، بغية سد العجز المالي الذي تعاني منه الوكالة، خاصة في وقت كثر فيه الحديث عن مشاريع تهجير للفلسطينيين باتجاه كندا وأستراليا وغيرها من الدول ذات الجذب الاقتصادي الكبير، كمقدمة لتصفية قضية اللاجئين.