في كل جولة إشتباكات عبثية تزداد القناعة بأن لا طريق للوصول إلى حلّ يرضي جميع الأطراف المتحاربة إلا لغة الحوار، وهم الذين يعيشون على بقعة جغرافية واحدة لا تزيد عن 2 كيلومتر مربع،
يعيش فيها ما يقارب من 120 ألف شخص معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين وأعداد أخرى من اللبنانيين والمهجرين من فلسطينيي سوريا، وهذا بالفعل ما توصلت إليه نتائج الأحداث الأخيرة الأكثر حدة والأكثر خسارة من حيث الممتلكات وترويع الآمنين، والتي استمرت لثلاثة أيام نزح خلالها ما لا يقل عن خمسة آلاف لاجئ عاد الغالبية العظمى منهم إلى المخيم..!
في دهاليز السياسة والتبريرات ولعبة الإعلام تضيع حقيقة من يتحمّل مسؤولية التفجير، فجميع الأطراف تلتقي على تبرير واحد هو حماية قضية اللاجئين وحق العودة والحفاظ على المخيم..، إلا أن الأحداث الأخيرة وشراستها أعطت إشارات خطيرة تدعو إلى التوقف عندها، سواء في البعد السياسي أو الأمني أو الإنساني، فلا شك مع طوال فترة الإشتباك وحدتها كانت ستؤدي في النهاية الى نزوح الغالبية العظمى من الأهالي خوفاً على حياة الأطفال والنساء وكبار السن.. وستؤدي الى المزيد من حالات البعثرة والبحث عن الهجرة في الداخل اللبناني أو إلى الخارج وإنهاء حالة المخيم وهذا ما يريده الكيان الصهيوني بتفتيت الكتلة البشرية للاجئين وإبعادها عن الدول المحيطة بفلسطين وشطب حق العودة، كجزء من إعادة ترتيب المنطقة شأنه في ذلك شأن بقية المخيمات التي استُهدفت وهُجِّر أهلها، ناهيك عما سيعانيه اللاجئ من إمتهان للكرامة وفقدان للقيم الإنسانية على أبواب الحرمان وطلب المساعدات والتبرعات.. والتجارب حاضرة أمامنا من فلسطينيي العراق الى فلسطينيي سوريا، وحتى التجارب السابقة للاجئي لبنان إبان الحروب السابقة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بوجه خاص..!
لم يكن مخيم عين الحلوة أو مخيمات اللاجئين الأخرى إلا محطات على طريق العودة، ولا نريد ولا بأي حال من الأحوال أن تتحول تلك المخيمات إلى محطات على طريق الهجرة، وبأيدٍ فلسطينية، أو تكرار لما حدث في مخيم نهر البارد 2007، أو ما يحدث في مخيمات سوريا لا سيما في مخيم اليرموك. يخطئ من يعتقد بأن الخلاف السياسي ممكن أن يؤدي إلى الإحتكام إلى لغة السلاح بين أبناء الشعب الواحد، فهذه فرصة لتكريس مبدأ أن ليس للأطراف المتحاربة إلا خيار التعايش مع هذه الخلافات على قاعدة نتعاون فيما اتفقنا عليه لا سيما لجهة الثوابت الفلسطينية وحاجات الناس الإجتماعية والإقتصادية وما أكثرها.. ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، ولا يمكن لأحد أن يلغي أحد، فلا زلنا كشعب فلسطيني في مرحلة التحرر الوطني وهذا يعني بأننا لا زلنا لاجئين طُردنا من ديارنا في فلسطين واحتُلت أرضنا، واغتُصبت مقدساتنا، ومن حقنا إعداد العدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، على المستوى العسكري والسياسي والثقافي والتربوي والقانوني والإغاثي.. وغيره من وسائل الإعداد التي تتيح للاجئ الفلسطيني من العيش بكرامة والإستعداد للمعركة الكبرى، معركة التحرير العودة..!
اتفقت جميع الأطراف على التهدئة، وتكللت بزيارة قام فيها سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور لممثل حركة "حماس" في لبنان علي بركة مساء الثلاثاء 2582015 يرافقه وفد رفيع المستوى من حركة "فتح" ومعهم ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان أبو عماد الرفاعي مع وفد من الحركة، وممثل عن حركة أمل وبحضور قيادات من حركة "حماس"، حيث أكَّد الجميع على دعم جهود القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية للتهدئة وتحصين الساحة الفلسطينية وحماية المبادرة الفلسطينية الموحدة واتخاذ الدروس والعبر مما حدث.. بقيَ معالجة ذيول الإشتباك والإلتفات لخسائر الناس والتعويض عليها بأسرع وقت، وهذه مسؤولية المتحاربين بالدرجة الأولى.. أما عن جدية الإتفاق والإلتزام، وتنفيذ قرارات القيادة والترجمة على الأرض، فهذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة..!