الياس سحاب من الواضح أن الحركة الصهيونية المعبر عنها بدولة إسرائيل تعيش في هذه الأيام مرحلة من مراحل الذروة لناحية الإمساك بقضية شعب فلسطين، كما بأرض فلسطين التاريخية، إلى درجة السيطرة المطلقة على مصير الارض والشعب، وتسخير هذه السيطرة في طريق استكمال تحقيق الحلم الصهيوني التاريخي، القاضي بالسيطرة الكاملة على ارض فلسطين التاريخية، وعلى مصير شعب فلسطين الاصلي، باستتباعه زرافات ووحداناً للمشروع الصهيوني، بكل ما في كلمة استتباع من معانٍ.
لفت اهتمامي مؤخراً قول لأحد المناضلين السياسيين الفلسطينيين اعتبر فيه أن الحركة الصهيونية قد أنهت على ما يبدو جزءاً أساسياً من مرحلة استيطان الضفة الغربية والقدس، وبدأت تنتقل الى مرحلة تفعيل وحشية المستوطنين ضد الضفة والقدس وأهاليهما.
والحقيقة أن ظواهر عديدة في الحياة العملية لأهل الضفة وقطاع غزة والقدس، تشير منذ مدة الى المدى الخطير الذي وصلت إليه الحركة الصهيونية لناحية الإمساك بزمام الحياة اليومية لشعب فلسطين في هذه المناطق المحتلة (اضافة الى ما احتل في العام 1948)، ومن ذلك مثلاً حالات الوحشية الاستيطانية في قتل وحرق العرب أحياء، كباراً وصغاراً، وتكرار محاولات طردهم من أرضهم، وذلك في تكرار لما حدث في العام 1948، عندما كانت القوات الصهيونية المسلّحة تتولى تطهير الساحل الممتدّ من يافا الى حيفا، ثم من حيفا الى عكا، من سكان القرى التي تمتد على عشرين كليومتراً في عرض الساحل البحري، كما وصف ذلك بدقة وشجاعة المؤرخ إيلان بابيه، في كتابه الشهير «التطهير العرقي في فلسطين».
ولا شك في أن ما يفعله المستوطنون المتوحشون في هذا المجال يجيء تعبيراً كاملاً عن دولة اسرائيل، وعن المجتمع الاسرائيلي، بيمينه ويساره، حيث تبدو أعمال المستوطنين الوحشية مطلقة اليدين، برغم عبارة الاستنكار التافهة التي أطلقها رئيس وزراء إسرائيل بعد حرق الطفل علي الدوابشة مؤخراً.
ثم أن عشرين سنة من تطبيق اتفاقيات «أوسلو»، والتنسيق الامني بين السلطة الفلسطينية وشرطة وجيش الكيان الصهيوني، قد جعلت الحياة العامة والخاصة للفلسطينيين في كل ارض فلسطين (48 و 67)، ورقة تلعب بها السلطة الاسرائيلية كما يحلو لها، كما ثبت مؤخراً في منع السلطات الإسرائيلية أربعة لاعبين من غزة، من الانتقال الى الخليل في الضفة الغربية للمشاركة في مباراة نهائي كأس فلسطين، بين فريق من غزة وفريق من الخليل.
وباختصار شديد، يمكن القول إن الأمور قد تفاقمت الى درجة لم يعد فيها الفلسطيني يمارس حياته اليومية، على كل أرض فلسطين، إلا بما يخدم عملية استتباع شعب فلسطين في كل مكان، ليكون عنصراً مكملاً لمشروع السيادة الصهيونية على كامل تراب فلسطين، تضاف إليها فظاعة وبشاعة تعامل السلطات الإسرائيلية مع الأسرى الفلسطينيين.
إنها باختصار شديد، وبشكل مركّز، شديد معركة مفتوحة لمحاولة استكمال نكبة العام 1948، بنكبة راهنة، تقضي ـ إذا نجحت الحركة الصهيونية ـ على ما تبقى من حيوية شعب فلسطين بل من وجوده.
لكنّ هناك لحسن الحظ مؤشرات واضحة تؤكد أن ما ارتكبه شعب فلسطين من خطأ تاريخي بالخروج من أرضه في العام 1948 بأعداد كبيرة، غير قابل للتكرار، لدرجة أن الساحة الفلسطينية حبلى بكل ما يؤكد على ولادة إطارات جديدة للنضال الفلسطيني، تتجاوز كل ما عرفنا من إطارات سواء في رام الله أو في غزة، لأن هذه المرة معركة المصير النهائي، التي لا تحتمل أي خطأ، وأي تهاون شعبي.