بقلم : راسم عبيدات
أمريكا ودول الغرب، تركز في محاولة حلها للصراع العربي- الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية على الحلول الاقتصادية والأمنية، وليس بواردها تحقيق حل سياسي ينهي الاحتلال، ويمنح الشعب الفلسطيني حقه في الحرية والاستقلال، من خلال تلبية الحد الأدنى من حقوقه الوطنية المشروعة، دولة فلسطينية وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران/1967، وحق العودة لللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الأممي (194)، وكل أطروحاتها للحل تتماشى مع المشاريع السياسية التي تطرحها دولة الاحتلال بمختلف تلاوينها ومكوناتها الحزبية، التي يغلب عليها الطابع اليميني العلماني والديني، سلام اقتصادي ولا دولة فلسطينية ما بين النهر والبحر ولا عودة لحدود الرابع من حزيران 1967.
طوني بلير الذي جرى تعينه مسؤولاً للرباعية الدولية في حزيران 2007، خطته كانت تتوافق مع طرح نتنياهو للسلام الاقتصادي، بتحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال مقابل تأبيد وشرعنة الاحتلال، ولكن هذه الخطة ماتت، فحتى المشاريع التي كان يقيمها الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول، كان جيش وحكومة الاحتلال يعملان على تدميرها، أو منع إقامتها، واليوم في ظل حالة الاستعصاء للحل، وفي ظل انتقال الإدارة الأمريكية الحالية من الانحياز التاريخي لجانب دولة الاحتلال إلى المشاركة الفعلية في العدوان على شعبنا، والمتمثل فيما يسمى بصفقة القرن،صفعة العصر، والتي ظهرت ملامحها الأولية على شكل مشروع سياسي ضخم تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وتقف خلفه وتشارك فيه قوى عربية فاعلة وأخرى غربية، بهدف التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، حيث أعلن الرئيس الأمريكي عن قراره باعتبار القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، والعمل على نقل سفارته من تل أبيب الى القدس في الرابع عشر من أيار القادم، موعد نكبة شعبنا وطرده وترحيله قسراً من أرضه على يد العصابات الصهيونية، ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك، بل عمدت الى تخفيض مساهمتها المالية للنصف في وكالة الغوث واللاجئين " الأونروا" في سعي واضح لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومنع توريث صفة اللاجىء.وهي تواصل حربها وعدوانها على الشعب الفلسطيني، فكل يوم نسمع عن قرارات أمريكية جديدة من أجل الشطب الكلي لحقوق شعبنا الفلسطيني وقتل حلمه في الحرية والاستقلال، وتصفية قضيته نهائياً.
الخطة الأمريكية المزمع طرحها قريباً والمسماة بصفقة القرن، أعلنت السلطة الفلسطينية وكل الفصائل والمكونات السياسية والمجتمعية والفلسطينية رفضها لها، والسلطة الفلسطينية أعلنت عن قطع كافة اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية، على خلفية صفقة القرن.
في ظل المقاطعة الفلسطينية للإدارة الأمريكية، وقرب إعلان الإدارة الأمريكية لصفقة القرن، والتي واحدة من اهم مخرجاتها، إقامة كيان فلسطيني مركزه قطاع غزة، يلحق به إدارياً ما يتبقى من أرض في الضفة الغربية زائدة عن حاجة الأمن الإسرائيلي، بحيث يكون الأمن الخارجي في الضفة بيد إسرائيل والأردن والأمن الخارجي لقطاع غزة بيد مصر، ولذلك تحقيق هذا الغرض، ربما وجد المتطرف غرينبلات، احد مهندسي صفقة القرن، ضالته في الأوضاع الإنسانية والظروف الحياتية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، والناتجة عن الحصار الإسرائيلي والعقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، وما يحركه هنا ليس ذرف دموع التماسيح على الأوضاع الإنسانية وانعدام مقومات الحياة الأساسية التي يعيشها شعبنا في قطاع غزة، بل هو لا يريد لتلك الأوضاع ان تنفجر على شكل حرب لا تريدها أمريكا في وجه اسرائيل، ولتدارك هذا الوضع،دعا لعقد مؤتمر عصف ذهني دولي وإقليمي في واشنطن للبحث عن حلول ومخارج لما يسميه بالظروف المأساوية التي يعيشها قطاع غزة، مؤتمر حضره عدد كبير من الدول، وفي المقدمة منها، دول ما يسمى بالمحور السني العربي، والهدف الحقيقي لهذا المؤتمر، ليس أوضاع سكان غزة وأهلها وما يعيشونه من حالة وظروف مأساوية، بل هدف المؤتمر تعزيز الأمن لإسرائيل ومصر والأردن، فهذه الدول هي المالكة المفاتيح لأي نظام سياسي فلسطيني، او جغرافيا سياسية فلسطينية مستقبلية.
جرينبلات والدول التي حضرت المؤتمر، تريد ان تحدث اختراقاً سياسياً يخدم تنفيذها وتطبيقها لصفقة القرن من بوابة القطاع، من خلال تحسين الظروف الحياتية والمعيشية والاقتصادية للسكان، ولعل ما حصل من تطورات، والحديث هنا عن الانفجار الذي استهدف موكب الحمد الله، ليس معزولاً عن ما يخطط للقطاع، فأمريكا وقوة الدفع العربي- الإقليمي خلف خطتها، ترى بأن صفقة القرن على صعيد القدس والضفة الغربية منتهية، من حيث إخراج القدس من أي عملية تفاوضية، والضفة يجري ضمها من خلال تطبيق القوانين والسيادة الإسرائيلية على مستوطناتها، وربط مستوطنات الضفة مع الأراضي الفلسطينية الواقعة خلف الخط الأخضر بشبكة مواصلات ضخمة أنفاق وقطارات، أما غزة فلربما تشكل الحلقة المركزية في استعصاء تطبيق الخطة، ولذلك لا بد من كسر هذه الحلقة،حيث هي معقل قوى المقاومة، وتملك السلاح والأنفاق، ولربما تشكل غزة حلقة مواجهة للمشروع التصفوي، ولكن هل قوى المقاومة في ظل ما يعيشه القطاع من عملية خنق وحصار وتجويع، قادر على لجم المشروع المعادي المدعوم عربياً وإقليمياً..؟؟، وخاصة ونحن نلمس بان دول الإقليم، تريد ان تنهي الصراع بقيادةٍ بديلة غير قِيادة محمود عباّس في الضفة الغَربية، قِيادة يتم التّوافق عليها فِلسطينيًا وإقليميًا في غزّة في ظِل قِيادة مُوحدة فلسطينية تتوَافق مع أُطروحات هذه الصّفقة وأبعَادها الدّيموغرافية على الإقليم وعلى المنسُوب الذاّتي.
غزة لن تكون قادرة على محاربة الكون، وخاصة بان الحالة الفلسطينية ما بعد الانفجار الذي حدث في موكب الحمدالله، تنتقل من الخصومات السياسية والمناكفات والتحريض والتحريض المضاد الى الصراع السياسي، ولا توجد أي خطة او برامج استراتيجية للمواجهة موحدة، بل نجد بأن هناك خطوات وقرارات ذاهبة بنا نحن التدمير والانتحار الذاتي، حيث يجري الإعلان عن النية لعقد مجلس وطني في الثلاثين من نيسان القادم، وواضح انه يعزز من حالة الانقسام ويكرسها في ظل غياب حماس والجهاد والجبهة الشعبية عن هذا المجلس، وقد يدفع انعقاده بالصورة المطروحة والمكان المحدد له نحو تشكيل أطر موازية للمنظمة، تلك المنظمة التي بقيت البيت الفلسطيني الجامع والموحد لكل ألوان الطيف الفلسطيني، والمعبرة عن هويته ووحدانية تمثيله.
الإدارة الأمريكية الحالية تختلف عن الإدارات الأمريكية السابقة، لجهة الانتقال للمشاركة الفعلية الى جانب دولة الاحتلال في العدوان على شعبنا وحقوقنا وقضيتنا، والنظام الرسمي العربي، وخاصة ما يسمى بمحور الاعتدال "الاعتلال"،حيث حدثت تطورات وتغيرات عاصفة في بنيته ودوره ووظيفته، فجزء ليس بالقليل منه انتقل للتحالف مع دولة الاحتلال، وعدم اعتبارها عدواً لأمتنا ولشعبنا الفلسطيني، وحتى أننا نشهد " اندلاقا" تطبيعيا عربيا علنيا ومشرعنا غير مسبوق مع دولة الاحتلال وعلى حساب حقوق شعبنا الفلسطيني.
وفي الختام نقول لا بد لنا من البحث عن طرائق وأساليب جديدة للمواجهة ولحماية وجودنا وحقوقنا وقضيتنا، وعلينا أن لا نبقى في ظل المتغيرات والتطورات الكبيرة المحيطة بنا أسرى لنفس الخيار والنهج، فلا بد من فتح الخيار والقرار الفلسطيني على أوسع وأرحب فضاءين عربي وإسلامي وإقليمي ودولي، حتى نتمكن من إيجاد حاضنة ومظلة تحمي قرارنا ومشروعنا وقضيتنا الفلسطينية، فالمعطيات المحيطة والتطورات تؤشر إلى أن هناك حدود سياسية ستزول، وستنشأ ربما دول جديدة في المنطقة، وربما المنطقة في سبيل السيطرة على خطوط النفط والغاز قد تندفع نحو حرب شاملة، علينا أن لا نسمح لها أن تدوسنا وأن نكون ضحيتها.