عادت مشكلة الكهرباء تطل برأسها من جديد في قطاع غزة بعد أن تم تقليصها إلى ست ساعات وصل واثني عشرة ساعة قطع، وذلك بعد أن تأقلم الناس أو أقلموا أنفسهم على برنامج أصبح جزءًا من حياتهم وطقوسهم اليومية، وهو ثماني ساعات وصل يقابلها ثماني ساعات بدون كهرباء.
المشكلة تطل برأسها من جديد متزامنة مع موجة حرّ شديد سبقها تصريحات زرعت الأمل (الوهم) في نفوس الناس أن تحسناً ملموساً سيحدث قريباً على جدول الكهرباء. وفي ظل حديث عن إنشاء محطة كهرباء عائمة كفيلة بإنهاء معاناة الناس التي تجاوز عمرها الثمانية أعوام، وفي ظل الحديث عن إمكانية تحويل المحطة إلى محطة تعمل بالغاز بدعم قطري يغطي حاجات القطاع المتزايدة.
ليست المشكلة فقط أن هناك مشكلة كهرباء خانقة في غزة، بل أن المشكلة أنه لا يوجد أي جهة محددة، رسمية أو شبه رسمية، حزبية أو شبه حزبية تعترف بمسؤوليتها عن هذه المشكلة، ليعطى الانطباع أن الجميع على حق، والغلطان هو الشعب البطران الناكر للجميل على هذة النعمة التي لا يعرف كيف يصونها..!!
المشكلة أن الإنسان يحاول أن يفهم ما هي المشكلة الضبط ولماذا تطل برأسها من جديد دون أن تجد لها حلولاً، والمشكلة الأكبر أن الناس لا تصدق أي من الروايات التي تطرحها الجهات المختلفة التي من المفترض أن تكون جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة.
شركة الكهرباء تعتبر نفسها غير مسؤولة عن المشكلة لأنها لا تملك الإمكانيات لتغطية ثمن السولار اللازم لتشغيل المحطة، حيث أن ما يتم جبايته لا يكفي لتغطية ثمن المحروقات وأوضاع الناس في القطاع الذي في غالبيتهم عاطلين عن العمل ويعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة ليس بالإمكان الضغط عليهم، على قاعدة أن (الضرب في الميت حرام).. المشكلة أن شركة الكهرباء وفقاً لما تقوله السلطة أو ما يسمى ظلماً (حكومة الوفاق) أنها لا تحوّل ما يتم جبايته إلى خزينة السلطة التي تغطي ثمن الكهرباء القادمة من "إسرائيل" ومصر، على الرغم من إعفاء السلطة للضريبة المفروضة على السولار، أو ما يعرف بضريبة (البلو). على الرغم من ذلك لا أحد يعرف كم هو حجم المبلغ الذي قامت شركة الكهرباء بجبايته وهل تم تحويله في الوقت المناسب أم لا؟ ولماذا لم يتم تحويله كما تقول السلطة؟ كل هذه التفاصيل على ما يبدو ليس من حق المواطن الفلسطيني أن يكثر من غلبته ويحشر أنفه لمعرفتها.
بالنسبة لحركة حماس المسيطرة فعلياً على غزة فهي تعتبر نفسها ليست مسؤولة عن مشكلة الكهرباء في غزة، حيث أن هناك شركة كهرباء مستقلة وهناك سلطة طاقة وهناك (حكومة وفاق)، ولسان حالها يقول (يحلوا مشاكلهم مع بعض)، ولسان حالها يقول أيضاً: لقد سلمنا الجمل بما حمل في اتفاق الشاطئ. هذا صحيح، المشكلة أن كل هذه الجهات المذكورة لا تستطيع أن تتنفس بدون سلطة حماس الفعلية في غزة.
الحكومة الفلسطينية أيضاً على حق، لسان حالها يقول (أكثر من ذلك لا نستطيع أن نقدّم). الحكومة وعلى الرغم من الضائقة المالية التي تعيشها إلا أنها تغطي ثمن الكهرباء التي تزودها شركة الكهرباء الإسرائيلية، وتغطي ثمن الكهرباء التي تزودها مصر للقطاع، وبين الحين والآخر تدفع الضريبة المفروضة على السولار المستورد من "إسرائيل" لمحطة الطاقة الوحيدة، ولكن بشرط أن يتم تحويل ما يتم جبايته لخزينة السلطة، وذلك ليس فقط لكي تواصل دفع فواتير الكهرباء للجهات المذكورة أعلاه، ولكن أيضاً لكي تغطي احتياجات غزة في كل ما يتعلق بفاتورة الكهرباء وتغطية النفقات الجارية لوزارة الصحة ووزارة التعليم والشؤون الاجتماعية وخدمات ضرورية أخرى. صحيح لا تصل هذة المبالغ إلى 57 ٪ من موازنة السلطة كما يذكر بين الحين والآخر، ولكن الحكومة على كل عيوبها ورغم حالة الانقسام وعلى الرغم ما يتعرّض له قطاع غزة من ظلم وحصار وإدارة الظهر في كثير من القضايا والملفات، إلا أن السلطة ما زالت ملتزمة في تقديم ما هو أساسي، وهو ليس واجبها فقط بل هو حق عليها على اعتبار أن القطاع ليس حمولة زائدة، وعلى اعتبار أن الحكومة مسؤولة عن كل الشعب الفلسطيني في مناطق السلطة وعلى رأسها قطاع غزة.
إذن، كل الجهات التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن إيجاد حلول لمشكلة الكهرباء لا تتحمّل المسؤولية. شركة الكهرباء غير ملامة.. سلطة الطاقة غير ملامة.. حكومة الوفاق غير ملامة.. حركة حماس غير ملامة.. يبقى الوحيد الذي يقع عليه اللوم والمسؤول عن هذه المشكلة هو الشعب الفلسطيني في غزة، فهو من يتحمّل المسؤولية لعدم حلّ هذة المشكلة..!! الشعب هو الغلطان وعليه أن يعتذر لكل الجهات المذكورة أعلاة..!!
* وزير سابق وأسير محرر من قطاع غزة