في اليوم السابع عشر للعدوان، تجاوز عدد الشهداء الـ700 شهيد غالبيتهم العظمى من المدنيين، فيما تعدى عدد الجرحى الخمسة آلاف جريح، إضافة إلى عشرات آلاف من المشردين والنازحين الجزء الأكبر منهم السماء غطاءهم والأرض فراشهم..
عائلات كاملة تم إبادتها وعائلات أخرى دمرت بيوتها.. أحياء كاملة تم تهجيرها من بيت حانون شمالاً حتى رفح جنوباً مروراً بالشجاعية والبريج وخانيونس الشرقية.
في الجهة المقابلة يدفع الاحتلال ثمناً باهظاً ربما أكثر مما كان يتوقع.. حتى الآن ووفقاً للأرقام الإسرائيلية قتل 32 ضابط وجندي غالبيتهم من الوحدات المختارة وجرح العشرات منهم جزء منهم جراحه خطيرة، إضافه إلى جندي إسرائيلي مفقود "إسرائيل" تقول أو تريد أن تقول أنه ليس على قيد الحياة، عدا عن الخسائر في الأرواح الناتجة عن إطلاق الصواريخ التي تقريباً وصلت إلى كل بقعة في "إسرائيل" مما أدى إلى التسبب في وقوع أضرار مادية ومعنوية أكثر مما توقع الاحتلال.
الأضرار الاقتصادية تقدر بالمليارات حيث شلت الحياة الاقتصادية في كل المدن والبلدات المحيطة بقطاع غزة خاصة وبقية المدن وإن كان بشكل أقل. لكن التأثير المؤلم لهم في هذه الحرب هو توقف شركات الطيران الأمريكية وغالبية الشركات الأوروبية عن الطيران إلى مطار اللد، حيث لأول مرة يجد الإسرائيلي نفسه محاصراً غير قادر على السفر بحرية ليذوق ولو بقليل ما يعاني منه الفلسطيني بشكل مزمن. هذا الأمر شكل انتصاراً معنوياً للمقاومة الفلسطينية التي ما زالت قادرة على اطلاق الصواريخ رغم تقلص عددها في الأيام الأخيرة، لكن ما يطلق من هذه الصواريخ ما زال كاف لكي يبقي الإسرائيليين في حالة قلق وتوتر دائمين.
الثمن الذي يدفعه أهل غزة كبير جداً، وبعد أن تتوقف الحرب سيكتشف العالم حجم الجرائم التي ارتكبت هناك وحجم الدمار الذي سببه القصف الإسرائيلي وحجم الكواراث الانسانية وعمق الجراح التي ستحتاج الى سنوات قبل أن يداويها الزمن.
بعد كل هذا الثمن، وبعد أن يتوقف العدوان لن يقبل أحد أن تعود غزة إلى ما كانت عليه قبل العدوان. لن تقبل بأقل من فك الحصار بشكل نهائي ودائم. هذا يعني ان تفتح المعابر بما في ذلك معبر رفح، أن يكون لها مطار وأن يكون لها ميناء وأن يتمتع أهل غزة ببحرهم وزراعة أرضهم وأن يعاد إعمار ما دمره الاحتلال ومعالجة مشاكلها الاقتصادية المزمنة.. أي حل ترقيعي على شاكلة "هدوء مقابل هدوء"، أو فك جزئي للحصار لن يحل المشكلة بل سيكون وصفة للجولة القادمة من المواجهة، التي لن تكون بعد عامين بل أقرب من ذلك بكثير.
فك الحصار عن غزة بشكل كامل يجب أن يكون جزء من عملية إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بحيث تكون غزة جزء أساسياً من مكونات هذا النظام بما في ذلك إنجاز عملية المصالحة بشكل حقيقي وليس بشكل كاذب كما يحدث اليوم.
من الناحية الأخرى "إسرائيل" تعتبر نفسها أيضاً دفعت، وما زالت، ثمناً كبيراً في هذه الحرب. الرأي العام الإسرائيلي سيطلب من نتنياهو وحكومته كشف حساب عما حققته هذه الحرب وهل كانت الإنجازات التي تم تحقيقها تساوي ما دفعته "إسرائيل" من لحمها الحي ومن اقتصادها؟!
الأهداف الإسرائيلية المعلنة حتى الآن هي إزالة خطر الأنفاق الحدودية وإزالة أو تقليص الخطر الصاروخي وإعادة صيانة قوة الردع الإسرائيلية. دون تحقيق هذه الأهداف لن يستطيع نتنياهو إيقاف العدوان. كل الأهداف التي ذكرت أعلاه لم يتم تحقيق أي منها حتى الآن على الأقل، بل بالعكس في كل ما يتعلق بقوة الردع فإن النتائج حتى اللحظة هي عكسية.
مع ذلك من غير المستبعد أن يتم التوصل إلى هدنة إنسانية قبل العيد، ربما السبت أو الأحد، لعدة أيام، يتم استغلالها من قبل الطرفين لإلتقاط الأنفاس وربما تتحول هذه الهدنة إلى اتفاق دائم لإطلاق النار وفك الحصار.
ما يصعب هذه المهمة هو التجاذبات الإقليمية وغياب دور مصري فاعل يتناسب مع حجم مصر ومكانتها ومسؤوليتها السياسية العربية والإقليمية.
خلال فترة التهدئة، إن حدثت، من المفترض أن يتم استغلالها لكي تتحول إلى تهدئة دائمة أو اتفاق دائم وليس من المستبعد أن تطرح "إسرائيل" تحدي للفصائل الفلسطينة، وخاصة لحركة "حماس"، أنها موافقة على كل المطالب التي طرحها الفلسطينون مقابل شيء واحد وهو تفكيك القوة العسكرية للفصائل. تحدي يجب أن تكون الإجابة عليه جاهزة.
* وزير سابق وأسير محرر من قطاع غزة