بلغ إجمالي تعداد الشعب الفلسطيني نهاية عام 2014 حوالي 12 مليون نسمة، منهم كمعدل متوسط 25% (ترتفع هذه النسبة في مخيمات اللجوء إلى أكثر من 40%) يندرجون في إطار الطبقة العاملة يتوزعون في الوطن والشتات،
يعيشون في ظل أوضاع طبقية محكومة بكل مظاهر الاستبداد والاستغلال والبؤس، خاصة أولئك العمال والفقراء من اللاجئين الفلسطينيين الذي تعرضوا -ومازالوا- لأبشع أنواع المعاناة والتشرد وأبشع ممارسات الإرهاب والتجويع والقتل خاصة في مخيم اليرموك حيث اضطر أكثر من 90% من سكانه (160 ألف لاجئ) مغادرة بيوتهم وهاموا على وجوههم ليعيشوا اليوم نكبة أشد قسوة ومرارة من نكبة 1948، فرضت على إخوانهم في جميع المخيمات في الوطن والشتات عموماً (حوالي 5.5 مليون لاجئ) وفي مخيمات سوريا ولبنان خصوصاً (حوالي 1.1 مليون لاجئ.. لا أدري كم بقي منهم اليوم) حالة من الاحباط والقلق ليس على مسيرتهم النضالية وتضحياتهم من أجل حق العودة فحسب، بل أيضاً تراكمت في عقولهم ووجدانهم عوامل القلق على مصيرهم الوجودي الذي بات مهدداً في هذه المرحلة بتنفيذ مخططات التهجير والتوطين في بلدان أوروبا وأمريكا الجنوبية وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وفي البلدان العربية كما هو الحال في الأردن، في ظل تواطؤ عربي رسمي يسعى إلى الخلاص منهم وفق المخططات الأمريكية الصهيوينية.
ففي المشهد العربي الرسمي المنحط الراهن، نلاحظ طغيان حاله من الانكفاء تحت مظلة الشعارات، المحلية/ القطرية، ذات الطابع المطلبي المعيشي، والديمقراطي، كشعارات رئيسية، في مقابل خفوت أو غياب الشعارات السياسية الوطنية والقومية المناهضة للإمبريالية والصهيونية، إلى جانب تراجع الشعارات المؤيدة للقضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي يدفعني إلى القول بأن حالة الاستسلام والخضوع العربي الرسمي، أسهمت في تراجع القضية الفلسطينية في الذهنية الشعبية العربية، والسبب في ذلك لا يعود أبداً إلى رغبة الجماهير الشعبية العفوية الثائرة، بقدر ما يعود إلى طبيعة سياسات الأنظمة الحاكمة، وطبيعتها الطبقية الكومبرادورية البيروقراطية الطفيلية، واستبدادها وقهرها لجماهير العمال والفلاحين الفقراء، إلى جانب خضوعها وتكيفها مع السياسات الإمبريالية والصهيونية، وتكيفها مع شروط الصندوق والبنك الدوليين التي أدت إلى المزيد من إفقار وإملاق ومعاناة الجماهير الشعبية الفقيرة بصورة غير مسبوقة، إلى جانب تراجع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ومعظم فصائل وحركات المقاومة الفلسطينية عن ثوابتها وأهدافها ورؤاها الوطنية الثورية، لحساب القبول باتفاق أوسلو وبقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية، خاصة قراري 242 و338 أو الاستعداد لمهادنة دولة العدو وصولاً إلى التراجع عن التمسك بحق العودة واستمرار الانقسام والصراع بين حركتي "فتح" و"حماس" على المصالح الفئوية وعلى اقتسام السلطة، وكل هذه العوامل أسهمت بالتأكيد في تراجع وهج القضية الفلسطينية ووهج النضال القومي في أذهان الجماهير العربية.
لقد توضح خلال العقود الماضية، الى جانب تطورات الوضع العربي الرسمي الراهن المنحط والخاضع المستسلم للشروط الإمبريالية، علاوة على استمرار الصراع على المصالح والانقسام وتجدد الحديث عن تبادل الأراضي، والمفاوضات العبثية البائسة، بأن الدولة الصهيونية معنية بالسيطرة على كل فلسطين، وأنها جزء من المشروع الإمبريالي للسيطرة على الوطن العربي.. لذلك يجب أن تتأسس الرؤية لدى كافة قوى اليسار الثوري في فلسطين والبلدان العربية، انطلاقاً من ذلك وليس من خارجه، فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود الإمبريالي في الوطن العربي، وضمان استمرار التجزئة والتخلف العربيين.. لهذا بات ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية الوطنية التحررية من قلب الرؤية التقدمية القومية الديمقراطية الأشمل، التي تنطلق من فهم عميق للمشروع الإمبريالي الصهيوني وأدواته البيروقراطية والكومبرادورية والرجعية، من أجل أن يعاد تأسيس نضالنا الوطني والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية، ولا شك في أن هذه المهمة هي مهمة القوى والفصائل اليسارية الثورية في فلسطين والوطن العربي.
* كاتب ومفكر فلسطيني- غزة