Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الأسرى وملامح الانفجار القادم.. أسامة الوحيدي

الأسرى وملامح الانفجار القادم.. أسامة الوحيدي

  تزدحم حياة الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الإحتلال بتفاصيل ومشاهد تنطوي على قدر كبير من الألم والمعاناة، فأسرانا يُجابَهون بسلسلة طويلة من السياسات والممارسات التي تغلفها دوافع الحقد المتنامي وغريزة الانتقام التي تتحرك بموجبها أدوات الاحتلال القمعية المتمثلة بإدارة مصلحة سجونه،

حيث تحولت هذه السياسات إلى انتهاكات يومية تشكل خطراً حقيقياً علي الأسرى الأبطال، الأمر الذي يستدعي المتابعة والاهتمام من قبل المجموع الوطني الفلسطيني لمجابهة المخاطر والتحديات المحدقة بهم والتي تستهدف وجودهم وتهدد إنسانيتهم.

وحتى نستطيع الادعاء بأن قضية الأسرى تتصدر سلّم أولوياتنا وبأن أسرانا يحظون بقيمة وجدانية سامية في نظر شعبهم، لابد أن تتكرّس لدينا القناعة الكاملة بأن الحل الوحيد لنجدة الأسرى وإنهاء معاناتهم هو انتشالهم من براثن الاعتقال وضمان حريتهم مرةً وإلى الأبد، وإلى أن يتم ذلك فإن نصرة الأسرى والنهوض بقضيتهم وحمايتهم هو أحد الواجبات والاستحقاقات المترتبة حتماً علي جموع شعبنا قيادة وفصائل ومؤسسات وأفراد.

وبرأيي فإن هذه القناعة لابد أن تتولد عنها قرارات وسياسات وخطط واستراتيجيات على المستوىين الرسمي والشعبي تنسجم مع أهمية هذه القضية وتنتقل بها من فضاء الشعارات والنظريات إلى ميدان الواقع والتطبيقات، فالاستمرار في تشخيص الأزمة وشرح تداعياتها والعمل على تدويلها ربما يسهم إلى حد ما في الوصول إلى نتائج مؤثرة تعود بفائدة نسبية على قضية الأسرى، ولكن البحث عن حلول واقعية قابلة للتحقيق قد يقربنا أكثر من الهدف الأسمى الذي نتطلع إليه جميعاً ألا وهو حرية الأسرى وإنهاء معاناتهم بشكل كامل.

وأعتقد بأن الحلول الممكنة لقضية الأسرى لا يمكن أن تصاغ بمعزل عن الحالة الوطنية العامة وعن جملة الهموم والمآسي التي أفرزها الإحتلال وأثقلت كاهل شعبنا، فقضية الأسرى هي جزء لا يتجزأ من هذه الحالة وهي بكافة تجلياتها وتفاصيلها تحمل أبعادا سياسية ومجرياتٍ مترابطة ومتزامنة مع استمرار الاحتلال، وبالتالي فإن التركيز يجب أن ينصب أولاً وأخيراً على إنهاء الاحتلال كشرط جوهري وأساسي لحل قضية الأسرى.

وفي ظل ما تشهده الساحة السياسية من انغلاق في الأفق السياسي ورفض الاحتلال المطلق الاستجابة لمتطلبات السلام العادل وما يترتب عليه من تحرير للأرض والإنسان فإن شعبنا لن يقبل الخضوع طويلاً لسيف الوقت الذي ينهش أعمار أسرانا ولن يقف مكتوف الأيدي بانتظار اللحظة التي يمنّ بها الاحتلال عليهم بالحرية ولن يكون أمام شعبنا سوى اجتراح الوسائل والأساليب بمختلف أشكالها بما فيها العنيفة لانتزاع حريتهم وربما يحدد هذا السلوك أبرز ملامح الصراع وعنوان المرحلة القادمة بحيث يجسد التعاطي الشعبي والفصائلي مع مسألة تحرير الأسرى ناقوس خطر ينذر بانفجارٍ محتمل قد لا تقف تداعياته عند حدود منطقتنا، عند ذلك تكون دولة الإحتلال هي المسؤول الأول والأخير عن تداعيات هذا الانفجار بسبب صلفها ورفضها التعاطي مع المبادرات السياسية لحلّ الصراع وإطلاق سراح الأسرى بالطرق السلمية.

ولعلّ أقرب الأمثلة على شكل الانفجار القادم ما حدث بعد عملية أسر وقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل والتي فُسّرت ضمن ما تلاها من تحليلات بأنها جاءت بهدف إنجاز صفقة تبادل أو بأنها أحد وسائل الضغط على الاحتلال لحمله على الاستجابة لمطالب الأسرى المضربين في حينه أو حتى للفت انتباه العالم وكسراً لصمته تجاه معاناة الأسرى، وجميعنا مطلعٌ على ما نجم عن تلك العملية من انفجار أودى بالمنطقة إلى أتون حرب شرسة ربما تكون قد أتت على ما تبقى من أمل في العودة إلى ما يسمى بعملية "السلام" ومن هنا فليس لأحد أن يتخيل ما سيكون عليه الحال إذا ما استمرت دولة الإحتلال في استهتارها بأرواح الأسرى وتنكرها لحقهم في الحرية كأحد استحقاقات "الأمن والسلام" في المنطقة خاصة مع تنامي حضور ومكانة الأسرى في ذهن ووجدان كل مواطن فلسطيني أينما وجد، كما أن في ذلك رسالة لمن يتبوؤون قمة الهرم السياسي لأطراف الصراع تحذرهم من مغبة القفز عن قضية الأسرى أو تجاوزها في إطار أي تسوية سياسية ممكنة.

وعلى العالم أن يدرك بأن شعبنا الذي يشق طريقه نحو الحرية والاستقلال لن يقبل بأن يبقى خيرة أبنائه وصفوة مقاتليه خلف قضبان الأسر تطحنهم سنوات قاسيات تعج بالعتمة والألم وتسرق أحلامهم في الحرية والعيش بكرامة بين شعبهم وأحبتهم حتى لو كان ثمن حريتهم المزيد من الدماء والتضحيات وعلى المجتمع الدولي أن يعي بأن مفتاح الحلّ يكمن في إنهاء الاحتلال وأنه من المستحيل أن يتحقق "سلام" أو استقرار في هذه المنطقة ما دام أسرانا خلف القضبان وبأن سعي الاحتلال لمجابهة نضال شعبنا لنيل حقوقه المشروعة بوسائل القتل والتدمير والاعتقال لن يجلب له سوى المزيد من غياب "الأمن" والتوتر والضنك ولن يُثني شعبنا عن الاستمرار في المطالبة بحق الحرية لمناضليه وبغيره من الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف وعلى رأسها حقه في الاستقلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس والعيش فيها بحرية وكرامة كباقي شعوب العالم.