عجزت "إسرائيل" عن تحقيق اهدافها في العدوان على غزة من القضاء على المقاومة او شل قدرتها على العمل والتطور، وما زالت تسعى الان من خلال الصدمة الاقتصادية بمنع الاعمار وشل الاقتصاد "الغزي" ومنع او تقييد أي تدفقات حاقنة له، لإخضاع هذه المقاومة والتأثير عليها. وهو ما يطرح ازمة اعادة الاعمار.
ومما لا شك فيه باعتقادي ان العجز الفلسطيني في بلورة موقف موحد وواضح لملف اعادة الاعمار ومواجهة الازمة الاقتصادية الخانقة بالقطاع، وعدم قدرتهم على خلق ارادة سياسية تسعى لتحقيق الاعمار كما ينبغي، لهو من العوامل الاساسية في تغطية الهم الغزي والتستر على المتسبب به. بل ان انعدام هذه الارادة هي ربما ما يدفع للموافقة على اليات تجميل وجه "إسرائيل" القبيح كآلية سري. من جانب آخر ينحصر الهم الحكومي والحزبي في المطالبة بالسماح بتدفق مستلزمات الاعمار عبر المعابر مع "إسرائيل" لنعالج الضحية في مستشفى القاتل، ولتتدفق اموال المانحين على الشركات الإسرائيلية ومتعددة الجنسيات العاملة بـ"إسرائيل" ولنحقق البشارة اللبيرالية بالعلاج بالصدمة وتعطى مقاولة البناء للغازي الهدام.
وان اتساءل كيف يمكن الاعتماد على المعابر مع "إسرائيل" والتي لم تحقق تدفقا كافيا وطبيعيا لكثير من السلع حتى قبل الحصار اذ هناك عجز حاد ومزمن في قطاع الاسكان غير المتوازن، ولمنطقة احتياجها الطبيعي من مختلف المواد توازي الطاقة الاستيعابية القصوى للمعابر فكيف بالحاجة الطارئة لإعادة الاعمار، وكذلك خضوع هذا التدفق لرحمة البقرة المقدسة الإسرائيلية التى لا تعرف الرحمة ألا وهي الذرائع الامنية.
لذا فإنني اسأل كل من "فتح" و"حماس" بالله العلي العظيم ان يلتفتوا لمعاناة الناس وان يحسموا امرهم بدعوة المانحين لمباشرة الاعمار عبر لجنة منهم (عربية وأوروبية) وإدخال كافة مستلزمات الاعمار وهي جزء من قيمة المنحة عبر ممر بحري خاص يشرفوا عليه لتودع المستلزمات في مستودعات ضخمة تزود عملية اعادة الاعمار دون تقييد وبرقابتهم ومن منتجاتهم، بحيث يتحمل المانحون مسؤولية التزويد لا المنح فقط. ولهذا الاقتراح العديد من الدوافع التي تجعله الامثل من وجهة نظري:
1- الموقف العربي الوحدوي الذي تبلور مؤخرا والآخذ بالتحسن نحو القطاع، بالإضافة لحالة الانسجام العربي الإسرائيلي المتزايدة مؤخرا والتي يمكن ان تعطي اثرا ايجابيا في هذا المجال، فلا تكونن الخلافات الفلسطينية عائقا امام الاعمار ولنضع العرب امام مسئولياتهم.
2- نجاح قطر مؤخرا ببلورة تفاهم مع كل الاطراف في تيسير وتسيير مشاريعها بالقطاع.
3- عدم القدرة على ايجاد هيئة او لجنة وطنية مستقلة تشرف على اعادة الاعمار، نظراً لأن كافة القوى والشخصيات والمؤسسات الفلسطينية تدور في فلك فتح او حماس او على الاقل غير مؤثرة جوهريا عليهما، ولأنها ليست ذات اعتبار ايضا في التعامل مع "إسرائيل".
4- الانعكاسات الايجابية على القطاع في كافة المجالات في ايجاد الممر البحري وان كان محدودا.
5- تفادي ازمات فلسطينية داخلية متوقعة بشدة حول ادارة الاعمار في حال زوال ازمة تدفق السلع من "إسرائيل".
6- لمس وجود رغبة دولية خصوصا اوروبية بذلك لما له من مزايا سياسية واقتصادية لتزويد القطاع بمنتجاتهم بأموال المنح خاصتهم بما فيها العربية.
ان ما قد توفره هذه الآلية من انتعاش للقطاع قد يساهم لاحقا في إعادة هيكلة القطاع البيروقراطي الحكومي وتحويل فوائضه لدمجها بالقطاع الخاص، كما تؤدي هذه الآلية لإنعاش ونمو القطاع الخاص بالطبع.