انه مشهد عبثي كامل. لكنه عبث تراجيدي، وليس كوميديا، ذاك المشهد العربي الذي يدور امامنا في اليمن.
انه فصل من فصول الفشل العربي المتكرر أمام تحديات التاريخ، التي تقول لنا الابحاث العلمية إنها غالبا ما تكون حافزا للامم الحية على التقدم في كل المجالات، لكننا نرى هذه التحديات التاريخية في الحالة العربية، وكأنها تلعب دورا معاكسا لذلك.
وللمشهد بدايات كثيرة وارهاصات تارخية عديدة، ولكن البداية الاقرب كانت مع الرئيس المصري الاسبق انور السادات، في سبعينيات القرن المنصرم، عندما سرق الرد العسكري الناجح على هزيمة 1967، وحوله الى رضوخ كامل للشروط السياسية الكاملة للهزيمة العسكرية، بدل ان يكون، كما خططت له حرب الاستنزاف، ليكون ردا كاملا على كل الشروط السياسية للهزيمة العسكرية.
يومها ارتكب السادات جريمة تاريخية كبرى بإخراج مصر من صميم الصراع العربي – الاسرائيلي من دون ان يأتي بأي حل لهذا الصراع، سوى الاستسلام الكامل له.
انها آخر الحروب، كما أعلن السادات بصوته المدوي، فأعطى بذلك اجازة طويلة غير محدودة للسلاح المصري الرسمي، بل للحركة السياسية في مصر.
حينها، ساد اعتقاد كاذب، بأن الوضع العربي سينبري برفض كامل للسيناريو الساداتي، وهذا ما بدا واضحا على سطح الاحداث، عندما واجهت الانظمة العربية الرسمية اتفاقية «كامب دافيد» برفض شامل، ادى عمليا الى اخراج مقر جامعة الدول العربية من مصر، ونقله الى تونس، مع تعيين امين عام تونسي للجامعة (الشاذلي القليبي) بدل الامين العام المصري. لكن هذا الرفض الشكلي ما لبث ان افتضح مع مرور وقت قصير، فاذا بالسنوات التالية تكشف عن حالة غريبة، هي انسياق الانظمة العربية، واحدا بعد الآخر، الى حظيرة «كامب دافيد»، التي كانت قد دخلتها مصر قبل ذلك.
ومنذ ذلك اليوم، دخل السلاح الرسمي العربي برمته في حالة من السبات التاريخي الطويل: وبدأ التدهور العام يصيب اعماق القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد قيام السلطة الفلسطينية الرسمية بتبني النسخة الفلسطينية من «كامب دافيد»: اتفاقيات «أوسلو».
واستمرت غفوة السلاح العربي الرسمي سنوات طويلة، تنفق عليه عشرات بل مئات مليارات الدولارات ويأكله الصدأ في مخازنه، حتى جاء العام 2015، فاذا بالسلاح العربي الرسمي يصحو في مجموعة دول عربية دفعة واحدة، لا ليستعيد دوره ووزنه في تحدي الكيان الإسرائيلي، بل ليتوجه الى اليمن، أفقر بلد عربي، ويتولى تدميره من الجو والبحر.
لم يقلها المحللون او الباحثون، بل قالها صريحة فصيحة الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي: «انها المرة الاولى التي يشعر فيها العرب انهم امام تحد يستدعي تحريك قواتهم». انها إذاً «اول مرة»! اما الخطر الصهيوني الذي اغتصب بلدا عربيا عزيزا وشرد شعبه وما زال يستكمل جريمته التي مهد لها منذ قرن من الزمن، اما تحدي هذا الخطر، فقد مسحهما الامين العام، كما مسحتهما الانظمة العربية الرسمية من التاريخ.
الانظمة العربية الرسمية على اي حال ضلت طريقها التاريخي منذ مدة طويلة، ولم يعد غريبا ان يصحو السلاح العربي الرسمي من غفوته، في الاتجاه المعاكس، فماذا عن رأي الشعوب العربية، والى متى سيطول صمتها؟