Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

"الانتخابات الإسرائيلية".. تنافس بين اليمين واليمين.. ماجد عزام

  سعى تحالف حزب العمل - الحركة أو هيرتزوغ وليفني، بكل الوسائل لنفي صفي "اليسارية" عنه وتعمّد اختيار اسم المعسكر الصهيوني، للدلالة على أنه أكثر صهيونية، حتى من "الليكود" وحلفائه من اليمين المتطرف،

والحقيقة أن التحالف الصهيوني وبناءً على ما يطرحه في السياقين السياسي، وحتى الاقتصادي الاجتماعي هو حزب يميني بحت يمكن وضعه في نفس السلة مع حزب ليبيد "ييش عتيد"، وبدرجة أقل حزب كولانو لموشيه كحلون، وبينما يتموضع الليكود وحلفائه الطبيعيين - كما يقول نتنياهو - في مربع اليمين المتطرف، فإن حزب "اليسار" الوحيد بالمعيار الإسرائيلي طبعاً هو حزب ميرتس مع مكانة أو وضع خاص طبعاً للأحزاب العربية.

وفقاً لموازين القوى في "الكنيست" المنحلّة والتي سبقتها كما استطلاعات الرأي للانتخابات القادمة، فإن 90 بالمائة من الأحزاب السياسية يتموضع في اليمين أو اليمين المتطرّف أي 110 مقاعد تقريباً من أصل 120 هي مجموع مقاعد "الكنيست".

بدأ التغيير في المشهد السياسي مع فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية صيف عام 2000، التي قادها حزب العمل، ومن ثم انهيار ما وصف بـ"معسكر السلام"، وحتى فكرة التوصل إلى حل سياسي مع الفلسطينيين، خاصة مع ابتداع أهود باراك زعيم الحزب آنذاك لعبارة أو مصطلح "لا شريك سلام لدينا"، وهي العبارة أو المصطلح التي حفظت باسمه أو باتت من حقوقه الحصرية كما يتباهى دائماً. من ذلك الوقت لم يعد حزب العمل حزب "يسار" أو حتى حزب "سلام"، وعجز عن تقديم أطروحة متماسكة تجاه فكرة التسوية، كما عن تحدى حزب الليكود وبقية الأحزاب الأخرى، التي استبعدت أو تجاهلت الفكرة، وحتى الملف الفلسطيني برمته.

حصل الانقلاب الكبير مع تأسيس أرئيل شارون لحزب كديما في العام 2005، طارحاً فكرة الانفصال عن الفلسطينيين والانطواء أو الانسحاب من مناطق واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، ورسم الحدود من جانب واحد ودون اتفاق بحجة عدم وجود شريك فلسطيني مناسب، من أجل التوصل إلى "سلام نهائي" متفق عليه مع الجانب الإسرائيلي. فكرة شارون تناقضت مع فكرة اليمين عن "أرض إسرائيل الكاملة"، ووضعت "كديما" في قلب أو بالأحرى يمين الخارطة السياسية الإسرائيلية دافعاً "الليكود" وحلفائه الطبيعيين إلى أقصى يمين الخارطة، ومحطماً في السياق حزب العمل، وما وصف "معسكر اليسار" أو "السلام" في "إسرائيل".

للمفارقة فإن تسيبي ليفني التي تربّت أيضاً في بيت ليكودى يميني، هي من صاغت البرنامج السياسي للحزب الوليد آنذاك، معبرة عن الحزب وعن نفسها في أهم عبارة وردت في البرنامج والقائلة: إن التنازل عن أراضي تطبيق للأيديولوجيا، وليس تخلي عنها، بمعنى أن الانسحاب أو حلّ المشكلة الفلسطينية من جانب واحد، والتخلي عن جزء من "أرض إسرائيل" هو تطبيق وحفاظ على الأيديولوجيا الصهيونية و"إسرائيل" كـ"دولة ديمقراطية ويهودية"، وليس تخلي عنها بأي حال من الأحوال.

مع انهيار الفكرة أو الخطة الأحادية برحيل شارون عن المسرح السياسي، ثم أسر جلعاد شاليت، وإعلان "إقليم معادي"، عاد حزب "كديما" مع الثنائي أولمرت - ليفني إلى أطروحة حزب العمل التقليدية، الخاصة بالتوصل إلى "حل" أو "اتفاق سلام نهائي" بالتفاوض وبالتفاهم مع الفلسطينيين، ومن يومها افتقد حزب العمل إلى أي أطروحة أو نهج خاص به لا في الداخل، ولا في الخارج وبات ملحقاً بأحزاب اليمين الحاكمة سواء أكان كديما مع أهود أولمرت أو الليكود نفسه مع نتن ياهو في ولايته الثانية 2009، التي تولي أثناءها أهود باراك زعيم حزب العمل ووزارة "الدفاع" (الحرب)، ومشرفاً أو قائداً لحربين من حروب غزة الثلاث الأخيرة، والتي ساهمت في تقويض ما تبقى من أمل ضئيل أصلاً في التوصل إلى "اتفاق سلام نهائي" في فلسطين.

"كديما" الذي خاض حربين ضد غزة ولبنان، تمسّك طول فترة المفاوضات بأطروحات أو مفاهيم يمينية يمكن اختصارها بما يعرف بلاءات الإجماع الصهيونى الثلاث، لا لعودة اللاجئين لا للعودة إلى حدود حزيران يونيو 67 ولا لتقسيم القدس "العاصمة الأبدية للدولة العبرية" و"للشعب اليهودي".

ومع أفكار مرنة من حيث الشكل ولكن ضمن الثوابت الثلاث نفسها طرح كديما، مثلاً فكرة الانسحاب من مساحة مساوية لتلك التي احتلت عام 67 مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى، وعودة فردية للاجئين ضمن لمّ الشمل، وعلى مدى زمني طويل مع عاصمة للفلسطينيين في القدس دون تقسيمها، وحلّ إقليمي ودولي للبلدة القديمة أو الحوض المقدس، كما يقال في "الإعلام الإسرائيلي" وحديث عن بلدية موحدة تضم مجلسيين بلديين، وفي الإجمال ظلّت أطروحات كديما السياسية يمينية في جوهرها، بينما بدأ الحزب أكثر تهوراً في الناحية العسكرية أو الحربية، حتى من اليمين المتطرف نفسه.

مع انهيار كديما ووصول حزب "الليكود" إلى السلطة منذ  خمس أعوام، وفشل مساعي إدارة أوباما في ولايتها الأولى، وحتى الثانية ظلّ الحزب أسيراً لفكرته عن الحكم الذاتي الموسع الذي يمكن تسميته مجازاً بدولة فلسطينية على مساحة مساوية لتلك التي احتلت في النكبة الثانية، وطبعاً دون حق العودة ودون تقسيم القدس والأهم دون سيطرة الدولة على حدودها وأجوائها وموجات البثّ الكهرومغناطيسي في سمائها ودون امتلاك جيش أو حق إبرام معاهدات ذات طبيعة عسكرية هجومية كانت أو "دفاعية".

وبموازاة المعطيات اليمينية السابقة الذكر ظلّ "الليكود" أسيراً لفكرة "إدارة الصراع"، وليس حلّه وهي الفكرة الذي تحدث عنها علناً وزير "دفاعه" (حربه) موشيه يعلون متبجحاً، بأنه أقنع بها الإدارة الأمريكية بينما استغل نتنياهو اندلاع الثورات العربية للقول أن الوقت ليس مناسباً لإبرام أي تسوية وهرب قليلاً إلى الأمام قليلاً بعد حرب غزة، وربما لمجاراة أو منافسة وزير خارجيته ليبرمان عبر الادعاء أن التسوية إقليمية مع "الدول العربية المعتدلة" وتالياً مع الفلسطينيين وليس العكس.

سياسة نتنياهو الجامدة والمتعجرفة وتساوقه مع حلفائه الطبيعيين – حزبي بينيت وليبرمان - أدت إلى تزايد عزلة "إسرائيل" الدولية ومشاكل وأزمات جدية مع حلفائها الطبيعيين، بما في ذلك واشنطن بينما ذهبت أوروبا أبعد باتجاه فرض عقوبات اقتصادية ضد المستوطنات وسياسية عبر الاعتراف الرسمي أو البرلماني بالدولة الفلسطينية في حدود حزيران يونيو 67.

هذا الواقع تحديداً وقف وراء تحالف هيرتزوغ ليفني وتأسيس المعسكر الصهيوني إضافة طبعاً إلى فشل نتنياهو في حلّ المشاكل الاقتصادية الاجتماعية التي يعاني منها "الجمهور" الإسرائيلي و"الطبقة الوسطى" تحديداً نتيجة للاهتمام بالمستوطنات وإعطائها المكانة التفضيلية، ومن هنا أعطى برنامج التحالف الجديد الأولوية لتحسين العلاقات مع واشنطن والحلفاء الطبيعيين في أوروبا، كما حلّ المشاكل الداخلية التي هرب منها نتنياهو.

ومن هنا جاء غياب القضية الفلسطينية عن الحملة الانتخابية وتواريها خلف الملفين السابقين الأكثر حيوية، وإلحاحاً من وجهة نظر "الجمهور الإسرائيلي وقادته"، وحتى عندما طرح المعسكر الصهيوني برنامجه السياسي تبنى أطروحات يمينية لا لبس فيها، ومنذ أيام زار زعيمه اسحق هيرتزوغ تكتل "غوش عتصيون" قائلاً إنه سيبقى ضمن "حدود إسرائيل" مع التكتلات الاستيطانية الكبرى، بما في ذلك مستوطنة أو مدينة "معاليه أدونيم" ومتبنياً في السياق مدخل اجتماعي لتبرير عدم البناء أو الصرف على المستوطنات خارج الكتل الكبرى.

أما فيما يخصّ يئير ليبيد والذي يطرح أساساً برنامج اقتصادي يهتم بـ"الطبقة الوسطى"، فهو يتبنى مواقف سياسية يمينية واضحة أيضاً، بل ودشن حياته السياسية من مستوطنة أو "تكتل أرئيل"، ولا يطرح رؤية أو تصورات تختلف عن هيرتزوغ وليفني، وجديده كان العودة مرة أخرى إلى نغمة عدم وجود شريك فلسطيني، والتركيز بالتالي على تسوية أو تفاهم مع واشنطن وليس مع السلطة.

أما موشيه كحلون الذي قضى معظم حياته في "الليكود"، فيقول أنه يطرح "برنامج اجتماعي" بحت، ولكن عندما قارب الملف السياسي تبدل وجهه الليكودي بامتياز خاصة لجهة الادعاء أن المشكلة كانت وما زالت عند الفلسطينيين، وليس عند الاحتلال أو "الدولة" العبرية.

إذن أفشل نتنياهو داخلياً وخارجيا وأوصل "إسرائيل" دولياً إلى الوضع الأسوأ في تاريخها، بينما يقودها في الاتجاه الفلسطيني باتجاه دولة "أبارتهايد" غير ديمقراطية أو غير "يهودية" والسعي لاستبداله يأتي بغرض الحفاظ على "إسرائيل يهودية ديمقراطية" وفق التعبير الدارج لتسيبي ليفني وحلفائها، اللذين إن يعتبرون أن التسوية مع الفلسطينيين ضرورية لمستقبل "دولتهم"، ولكن من المنظار اليميني التقليدي أو ثوابت الإجماع الصهيوني الثلاث وهي تسوية تخدم "إسرائيل"، ولا مصلحة لنا كفلسطينيين بها بأي حال من الأحوال.

 

* كاتب فلسطيني، مدير مركز شرق المتوسط لللدراسات والإعلام- بيروت