Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الشّعب موحد لإسقاط مخطط برافر... هاني المصري

الشّعب موحد لإسقاط مخطط برافر... هاني المصري

تجسّدت وحدة الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه تحت شعار "برافر لن يمر"، وقبل أي شيء لا بد أن نتحدث أولا عن مخطط برافر. بدأت القصة بإقرار الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى في 24 حزيران الماضي قانونًا لتهجير سكان عشرات القرى البدويّة في النقب، ويتضمن تجميعهم في ما يسمى "بلديّات التركيز"، وتم تشكيل لجنة برافر لهذا الغرض، وسيتم سنّ القانون نهائيًّا في الأسابيع القادمة.

 

هذا المخطط يهدف إلى نهب ما تبقّى من أراضٍ في حوزة أهالي النقب، إذ ستتم مصادرة نحو 800 ألف دونم (أي نصف الأراضي التي تبقت لهم بعد المصادرات التي تمت عام النكبة) وتهجير ما بين 40 – 75 ألفًا من 34 قرية ترفض إسرائيل منذ إقامتها الاعتراف بها، وتحرم سكّانها بالتالي من أبسط الحقوق الفرديّة والجماعيّة ومقومات الحياة من شبكة كهرباء ومياه وصرف صحي وتراخيص بناء وخدمات تعليم وغيرها.

إن مخطط برافر يعني أن يعيش العرب الذين يشكلون 30% من سكان النقب على 1% من أراضي النقب.

لقد نُظِّمت الاحتجاجات والتظاهرات ضد هذا المخطط في الخامس عشر من تمّوز، وفي الأول من آب، وفي "يوم الغضب" يوم النقب العالميّ في الثلاثين من الشهر الماضي، وستتواصل الفعاليّات الكفاحيّة لإسقاطه؛ لأن تمريره يمثل نكبةً جديدةً لأهالي النقب، وسيفتح الأبواب لمخططاتٍ تهجيريّةٍ أخرى تطال شعبنا في الجليل والقدس ومناطق أخرى في الضفة الغربيّة؛ وذلك استمرارًا لنظام الاحتلال القائم على مصادرة الأرض وتهويدها وطرد سكانها والسيطرة والتمييز العنصري الرامي إلى إقامة "إسرائيل الكبرى" من دون أن تتحمل إسرائيل المسؤوليّة عن سكان البلاد الأصليين.

ردة الفعل الإسرائيليّة كانت عنيفة جدًا على يوم الغضب الفلسطيني، لأن الحكومة الإسرائيليّة لم تكن تتوقع أن تكون ردة الفعل الشعبيّة على مخطط برافر بهذا الحجم، لذلك قامت بإجراءات قمعيّة استثنائيّة ضد المتظاهرين في حيفا والنقب ورام الله.. وغيرها، حتى تقطع الطريق على تحوّل هذا اليوم إلى انتفاضة شعبيّة عارمة تبدأ هذه المرة في فلسطين 48، وتنضم إليها بقيّة تجمعات الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.

كأنّ التاريخ يعيد نفسه، حيث كان التحرك الشعبي الفلسطيني الأوسع ما بعد النكبة في فلسطين 48، متمثلا في يوم الأرض الموافق 30 آذار 1976، إذ هبّ الشعب الفلسطيني دفاعًا عن أرضه، مقدمًا الشهداء، فيما اعتبر مناسبة سنويّة يجدد فيها الشعب الفلسطيني تمسكه بأرضه، وتصميمه على الدفاع عنها مهما غلت التضحيات وطال الزمن.

نتنياهو هدد المتظاهرين وأكد عزم حكومته على تشريع القانون الترحيلي "برافر"، فيما اتهم ليبرمان وزير الخارجيّة الفلسطينيين البدو بأنهم يسرقون "أرض الشعب اليهودي"، أما وزير الأمن الداخلي فتعهّد بملاحقة المتظاهرين العرب في مختلف أنحاء البلاد ومعاقبتهم فردًا فردًا.

في اليوم التالي ليوم الغضب، قام الكنيست الإسرائيلي بالمصادقة على قانون جديد يقيّد أية حكومة إسرائيليّة قادمة بالحصول على تأييد 80 عضو كنيست، أي الأغلبيّة المطلقة، عند إقرار أي اتفاقيّة تتضمن الانسحاب من أراضٍ سبق وأن ضُمَّت إلى إسرائيل، في إشارة إلى عدم الاستعداد للانسحاب من القدس المحتلة، التي أُعلنت منذ عشرات السنين عاصمة موحدة أبديّة لإسرائيل.

في الوقت نفسه الذي ذكرت فيه أنباء من مصادر موثوقة أن رئيس الحكومة الإسرائيليّة خدع وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري حين أعلن عن تجميده لقرار وزير الإسكان الإسرائيلي القاضي ببناء 20 ألف وحدة استيطانيّة، حيث إن صفحة وزارة الإسكان الإسرائيليّة لا تزال تشير إلى أن هذا القرار ساري المفعول، وإن العطاءات حول هذ المخطط قيد التنفيذ. فهل يا تُرى تقوم القيادة الفلسطينيّة بتنفيذ تهديدها بالانسحاب من المفاوضات بعد أن اتّضح أن المخطط الاستيطاني الكبير لا يزال قائمًا؟!

إن الإجراءات الإسرائيليّة في النقب مثلها مثل الإجراءات ضد شعبنا في 48 وتلك التي تنفذ في القدس وبقيّة أنحاء الضفة الغربيّة واحدة، ولا تفرق بين إسرائيل والأراضي المحتلة العام 1967، ما يؤكد بشكل أعمق وحدة نضال الشعب الفلسطيني، وعلى أن معركته داخل الأرض المحتلة العام 1967 وفي أراضي 48 هي معركة واحدة، فالشعب واحد والأرض واحدة والقضيّة واحدة والعدو واحد، وهو لا يبدي أية إشارة إلى أنه مستعد لإجراء أية مصالحة تاريخيّة تنهي الصراع الذي بدأ العام 1948، ولا إبرام تسوية سياسيّة تنهي مسألة احتلال أراضي 67، وأن أقصى ما تقبله الاتجاهات النافذة في إسرائيل هو منح السكان الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا في المناطق الآهلة بالسكان من دون اعتراف بدولة فلسطينيّة على حدود 1967 وبلا سيادة، ومن دون القدس، ولا حل قضيّة اللاجئين، ولا تمكين الفلسطينيين من السيطرة على أجوائهم وحدودهم ومياههم ومواردهم الطبيعيّة.

إن هذ الواقع يشير إلى أن الدولة الفلسطينيّة الحقيقيّة ذات السيادة ليست على الأبواب ولا على مرمى حجر، وأن أقصى ما يمكن أن تقبل به الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة هو حل مؤقت جديد يُراد له أن يكون نهائيًا، وأقصى ما يمكن أن يتسع له "دولة ذات حدود مؤقتة" تقام على جزء من الأراضي المحتلة العام 1967، سواء بالاتفاق مع الفلسطينيين أو من خلال فرضها عليهم من خلال حل أحادي الجانب.

على الفلسطينيين أن يدركوا هذه الحقيقة جيدًا ويتعاملوا على أساسها من دون أوهام أو إسقاط الرغبات على الواقع، أو انتظار المنقذ الذي يمكن أن يأتي من الولايات المتحدة الأميركيّة أو الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي أو العرب أو العالم الإسلامي، فإذا لم يمسك الفلسطينيون بزمام قضيتهم بأنفسهم ويعتمدوا أولاً وأساسًا على قدراتهم لا يمكن أن يستفيدوا من البعد العربي الضروري جدًا للقضيّة الفلسطينيّة، ومن دونه لا يمكن أن تنجز أهدافها المرحليّة ولا الإستراتيجيّة، ولا من الأبعاد الإقليميّة والإسلاميّة والدوليّة على اعتبار أنها قضيّة عادلة ومسألة تحرر وطني إنساني وأرضها مقدسة، فهي مهد الديانات والرسل.

لا يعني ما سبق أن على الفلسطينيين المسارعة إلى إسقاط برنامج الدولة الفلسطينيّة على حدود 67، وتبني برنامج الدولة الواحدة، لأن العالم كله لا يعترف باحتلال إسرائيل للضفة الغربيّة وقطاع غزة، ويطالبها بالانسحاب، ولأن إسرائيل هي التي قضت على إمكانيّة دولة فلسطينيّة على حدود 67 من خلال رفض أي حل، وضم والاستعداد لضم جميع الأراضي التي تحتاجها وتعتبرها جزءًا من أرض "إسرائيل الموعودة" لليهود، وعليها تحمل مسؤوليّة ذلك لا إعطاءها ذريعة تمكنها من تحميل الفلسطينيين هذه المسؤوليّة.

على الفلسطينيين أن يدركوا أن الذي منع قيام الدولة الفلسطينيّة قادر على منع قيام الدولة الواحدة، خصوصًا أنها مرفوضة من غالبيّة إسرائيليّة أكبر من تلك التي ترفض قيام الدولة الفلسطينيّة.

فالاختلال الفادح في ميزان القوى لصالح إسرائيل والقوى التي تدعمها وتتحالف معها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركيّة، هو الذي مكّن إسرائيل من الوجود والاستمرار والتوسع، ولعب دور أكبر من حجمها بكثير، ما يفرض ضرورة إعطاء الأولويّة والتركيز على كل ما من شأنه تغيير موازين القوى شيئًا فشيئًا، بحيث نصل إلى توازن قوى جديد يمكّن من التوصل إلى حل يستجيب للحقوق الفلسطينيّة.

ميزان القوى الذي نتحدث عنه لا ينحصر بالقوة العسكريّة، وإنما نعني به ميزان القوى الشامل الذي يشمل كافة العوامل والمؤثرات السياسيّة والاقتصاديّة والجغرافيّة والأخلاقيّة والثقافيّة والدينيّة، فالتفوق الأخلاقي الذي تتمتع به القضيّة الفلسطينيّة يعطيها عامل قوة هائلاً لا يمكن الاستهانة به على الإطلاق، لذلك نلاحظ كيف أن إسرائيل "الدولة العظمى والنوويّة" و"الطفل المدلل" لدى الولايات المتحدة لا تزال تلهث رغم ذلك للحصول على اعتراف من الفلسطينيين على أنها دولة يهوديّة.