قد يبدو العنوان ملخصاً للفكرة التي نستحضرها في متن هذا المقال حول موضوع الصراع السوري، هذا المستمر لحوالي ثلاثة أعوام، دون أن يحقق فيه الفرقاء نتائج ملموسة تؤدي إلى حسمه سياسياً أو حتى عسكرياً. إنه بالفعل ملف معقد، خصوصاً وأن هناك الكثير من الأصابع
الداخلة في هذا الملف، ابتداءً بالأطراف الدولية الخارجية، وليس انتهاءً بتعدد أطراف الصراع الداخلي وعدم وجود معارضة قوية وفاعلة وموحدة، يمكنها أن تحقق إنجازات تؤهلها لصياغة مستقبل سورية.
بطبيعة الحال يبدو أن الأطراف الدولية التي اتفقت على تحديد موعد انعقاد "جنيف 2" في الثاني والعشرين من كانون الثاني 2014، يبدو أن هذه الأطراف جادة بضرورة عقد المؤتمر الدولي بصرف النظر عن الرصيد السياسي، ذلك أنها حاولت تقديم مساعدات من أجل حل الصراع عسكرياً وبمساعدة حلفائها في الداخل السوري، دون أن توفق على هذا الصعيد.
وفعلت روسيا كل ما باستطاعتها من أجل جمع طرفي الصراع إلى طاولة واحدة، فضلاً عن ضغوط الولايات المتحدة في هذا الشأن، ومع ذلك سيذهب الفرقاء إلى "جنيف 2" بعد إرسال موافقتهم الرسمية على المشاركة، لكن كل واحد منها يدير ظهره للآخر.
فور أن صرّح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن موعد "جنيف 2"، واعتباره ذلك يشكل فرصة مهمة وعلى طرفي الصراع السوري انتهازها والتقاطها، صدرت رسائل سورية مختلفة، تؤكد استعدادها للذهاب إلى المؤتمر الدولي.
الخارجية السورية وافقت رسمياً على المشاركة، لكن على قاعدة أن الذهاب إلى جنيف لن يتمحور حول رحيل النظام السوري وإقصاء الرئيس بشار الأسد عن السلطة، ومختصراً رفض تسليم السلطة إلى المعارضة، الأمر الذي يعني أن النظام السوري مستعد لمشاركة مستقبل سورية إلى جانب المعارضة، وغير ذلك لن يرحل عن السلطة.
هذا الموقف الاستباقي لانعقاد "جنيف 2" أكدته الحكومة السورية في أكثر من مناسبة، ويتمسك النظام بهذا الموقف انطلاقاً من تحقيقه تقدماً عسكرياً ملموساً في الداخل السوري، في حين يعتقد أن هذا التقدم يخدم مصالحه في جني مكاسب سياسية.
أما المعارضة السورية التي كانت مرتبكة كل الوقت من "جنيف 2"، ومتمهلة لأبعد الحدود، فقد أخذت أخيراً موقفاً من المؤتمر بالمشاركة فيه، لكن أيضاً وفق شروطها وعلى قاعدة انتقال السلطة، الأمر الذي يبقينا عند مربع الصفر.
ما يحقق اختلالاً في الميزان الداخلي لصالح النظام السوري، هو حالة الارتباك الشديد في صفوف المعارضة، إذ لا يشير الأفق إلى أن هناك موقفاً واحداً يصدر عن كل أطياف المعارضة، في ظل وجود فصائل كثيرة وهي مختلفة أيديولوجياً وموزعة على المسطرة بين فصائل إسلامية متشددة وأخرى أقل تطرفاً إلى جانب فصائل يسارية.
الحديث يكمن حول خارطة معارضة فصائلية فسيفسائية، إذ يختلف أهل الخارج عن الداخل، وبطبيعة الحال للعسكر موقف لا يصب في صالح السياسيين، وحتى الموقف من الذهاب إلى "جنيف 2" لم يجد آذاناً صاغية وإيجابية عند الكثير من أطراف المعارضة المسلحة، وخصوصاً المتطرفة.
الائتلاف السوري المعارض والحكومة المنبثقة عنه سيشاركان في المؤتمر الدولي، وأما الجيش الحر وعلى لسان رئيس أركانه اللواء سليم إدريس، فلن يشارك في "جنيف 2"، معتبراً أن الفرصة غير مواتية وغير مهيأة للمشاركة في هذا المؤتمر.
هذا كلام صحيح مائة بالمائة، لعدة اعتبارات أولها أن الأطراف الدولية اتفقت على موعد عقد المؤتمر الدولي، دون أن تضع في الحسبان أجندة تمكنها من الضغط على أطراف الصراع الداخلي من أجل الاتفاق وتسوية الصراع سياسياً.
نعم هي استطاعت وتوفقت في إحضار الطرفين إلى "جنيف 2"، لكنها لم تحدد موقفها النهائي من المؤتمر، وعلى الأرجح أنه في حال انعقاده، سيكون على شاكلة أخوه "جنيف 1"، لأن الأطراف الدولية ما تزال تعمل بقناعة على إدارة الصراع.
زائداً على ذلك، أن الولايات المتحدة وحلفاءها أصبحوا متململين من المعارضة بشكل عام، ويقصد هنا الضعف السياسي الذي تعانيه وحالة الارتباك التي لا تمكنها من الحسم على أرض الواقع، ولذلك تخشى واشنطن من أن تقدم دعماً مالياً وعسكرياً من المحتمل أن يصل إلى الجهات المتطرفة في الداخل السوري.
وعلى كل حال، لا يبدو أن المؤتمر الدولي سيقدم إضافة إيجابية تحسب لملف الصراع بشكل عام، خصوصاً وأن الخلاف لا يتصل فقط بمصير الحكومة الانتقالية، وإنما يتعدى ذلك إلى الدول المدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر، بالإضافة إلى الخلاف حول دعوة إيران.
إلى جانب ذلك، يتم الحديث عن عقد "جنيف 2"، بينما صوت الرصاص يرتفع والصراع العسكري مستعر على أشده، ولا يبدو في الأفق أن هناك وقفاً لإطلاق النار إلى حين عقد المؤتمر، وهذا لعله يشكل سيناريو منطقياً على أن الواقع يقول إن الصراع لن يُحل إلا عبر البندقية والوسائل العسكرية.
هكذا يبدو الأمر، محاولة لرسم خارطة تقوم على إدارة الصراع، طالما وأن الأطراف الدولية غير متفقة على كيفية حله، وطالما أن العلاقة بين طرفي الصراع في الحضيض، والكل يغني على ليلاه، إلى جانب تشتت المعارضة وغياب التمثيل الواحد.
ربما يشكل "جنيف 2" عنواناً للانقسام الدولي والداخلي، وكان ينبغي عدم التسرع في عقده حتى لا يفضي إلى نتائج هزيلة أو حتى لا يصل إلى نتائج تذكر، ومع ذلك فإن انعقاده في هذا التوقيت ومع حالة عدم اليقين، سيؤكد على أن الصراع العسكري هو المسعى الوحيد الذي يُمكِّن من إيجاد مخرج وحل سياسي لسورية.
ويلاحظ هنا أن عدم توقف الصراع إلى الآن، يعني أن الأطراف تسعى لكسب الوقت من أجل تأكيد وتعزيز موقفها في "جنيف 2"، ومن المرجح أيضاً أن لا ينعقد المؤتمر الدولي من الأساس، وهذا أمر وارد في ضوء اشتراطات الأطراف التي تسبق انعقاد "جنيف 2".
المكتوب واضح من العنوان، هذا ما يمكن فهمه بعد عام من انعقاد "جنيف 1"، الذي مات في أرضه ولم يكن من الممكن تطبيق بنوده في ظل الاختلاف البائن بين النظام والمعارضة، وهو الأمر الذي قد يتكرر الآن في "جنيف 2".
قد يمهد "جنيف 2" لجولة جديدة من الصراع السياسي والعسكري، إذا ما اعتبرنا أن هناك فصائل متشددة تتقاتل فيما بينها، وتعلن صراحةً رفضها للمؤتمر الدولي ولذهاب المعارضة المعتدلة هناك، ما يعني أن الصراع السوري قد يستمر وينفتح على غاربه بين النظام والمعارضة، وبين الأخيرة في شقيها المتشدد والمعتدل.