Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

"ملاك الخطيب" تقف أمام محكمة الاحتلال..!!.. ريما كتانة نزال

  كيف يتشكل الوطن في ذهن طفلة في الصف الثامن، وما مصدر الخميرة التي قفزت «بملاك الخطيب» لتقفز بالطفلة نحو مساحة جديدة، يتأرجح فيها الوعي بين العقل والروح. فالفتاة الصغيرة تأتي من زمن انسداد البطولات الجماعية، ومن مصانع إنتاج البطولات الفردية القادمة من الصناديق المغلقة. هكذا تبدو معادلة البطولة مفهومة، في سياق الهزيمة الجمعية للبعد الجماعي للفكرة.

 

إن اعتقال الطفلة «ملاك الخطيب» يؤكد أن بعض الأفراد ومنهم الأطفال مُلهَم للقيام بأدوار بطولية في زمن البطولة المهزومة. فأطفال فلسطين، يحلمون بالبحر ويستيقظون في السجن، ويحلمون بالطيران ويهبطون على الحواجز، ويفتحون عيونهم على وطن مُرّ أطلق طاقاتهم وملأها بأسرار الاختلاف.

ما الحافز الذي يجعل طفلة تضع سكيناً بين كتبها المدرسية، بل ما هي الدروب التي سلكها عقل «ملاك» ليشكل معالم الوطن الفلسطيني. هل كان النشيد الصباحي هو من بنى وطنها طوبة خلف طوبة.. أم أن العَلَم الذي يرفرف فوق سطح المدرسة هو من طرد الخوف عن قلبها الصغير، أو كانت، الحواجز والقيود والسلاسل، من قفز بوعيها نحو مغامرة مجهولة.

أطفال فلسطين مختلفون عن غيرهم من أطفال العالم. فالسائد، أن ينشغل الفتيان بمطاردة الفتيات، وأن تنشغل الفتيات في قراءة الحظ. لكن جملة الاحتلال المعترضة للمسار، وقفت لتضع قالباً خاصاً للجسد الفلسطيني، فكان ضئيلاً وممشوقاً يحمل حجراً ويلتف بكوفية. وحكمت على الاحتلال بخلق عوامل مقاومته واستمرارها، فدفع أطفال فلسطين نحو الاختلاف والتمايز، فعلمهم كيف يتأبطون طفولتهم ويمضون نحو لعب أدوار فضفاضة على أجسادهم الضئيلة، وكيف يذهبون بخيالاتهم نحو فضاءات الحرية، فيكبرون قبل الأوان ويمضون قبل الأوان.

لقد أتى المقاومون فرادى في لحظة انسداد تاريخي ودوران يائس في ذات الحلقة، وأتوا ليقدموا أفكاراً خارج الصندوق، وفتحوا كوات في الخيال المتعب من حشو الأقوال والأفكار، فإن نجحوا في مشاريعهم، فإننا على بوابة تأريخ جديد للعمل الجماعي، فيقال ما قبل «فارس عودة» وما بعد «ملاك الخطيب»، وإذا لم يحصل النجاح، فيكفي الثقب الذي أحدثته هذه النماذج الجريئة في جدار اليأس.

الاحتلال يحتار بأمرنا، فعلى الرغم من موات الحراك المقاوم بشكل عام، إلا أنه لم يمسك بعد بناصية الأمن، فالوسائل الرادعة بدءاً من سياسة «كيّ الوعي الجمعي» لم تعط أكلها.. ومصادرة أحشاء الحواسيب لم تفكك شيفرة الطفل الفلسطيني.. وكان من الطبيعي ألا تُكوى بكارة الوعي الجمعي، لذلك خرج من القمقم عديد الأطفال ولم تكن أولهم «ملاك الخطيب» ولن تكون الأخيرة..

الطفلة المعتقلة لا تعرف كم هو قاس أن تكون فلسطينية مختلفة.. ولا تعرف كم سيكلفها حبها للوطن الحلو المرّ، ولم يخطر ببالها أن حبّها للخروج عن المألوف، سيخطفها بمريولها ودفاترها لتَمْثُلَ أمام محكمة تكره صوت أطفال الأغيار، في يقظتهم ونومهم.

أربعة عشر عاماً تقف أمام المحكمة في كامل ارتجافها، فتحكم عليها بإبعاد الطفولة عن براءتها ومهدها وشرائطها شهرين.. لم تفهم «ملاك» ما قالته المحكمة، ولم تعرف لمَ حب الوطن يجور عليها لتلك الدرجة.. لكنها فهمت فداحة دسّ الحجارة في الحقيبة المدرسية..

أيها الملاك: ستخرجين بعد شهرين كالفراشة الحالمة، سيكون لديك حصيلة من تجربة قد تدفعك نحو شغفك، أو تتصدى لك القيود الاجتماعية لتضع «قف» كبيرة أمام وجهك.. قد تواصل فراشتك إلى حيث يستقر الضوء، أو تنكسر الأجنحة قبل تحليقها، وهذا يتوقف على قبضتك على اللجام، فلا تفلتيه من يدك..

ستخرجين وستكونين بحاجة لمن يمسك يدك الصغيرة، ويبعد عن رأسك الكوابيس والانتكاسات، ويفكك معك الأسئلة الصعبة المتراقصة في أفلاكك. ستكتشفين في رحلة البحث عن الأجوبة، أن في حب الوطن طرقاً ومسارب، وأن كلاً يحبه على طريقته، فالبعض يموت لأجل حرية الوطن، والبعض يلتقط الصور معه، والغائبون يبعثون القبلات له.. وعلى هذا يستند سرّ الاختلاف..