Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الأحد... وكل يوم أحد إسرائيل تعبث ببرميل البارود... زياد أبو زياد

الأحد... وكل يوم أحد إسرائيل تعبث ببرميل البارود...  زياد أبو زياد

  لا بد من التوقف كثيراً عند الأحداث التي شهدتها القدس والمسجد الأقصى يوم الجمعة وأمس الأول في سياق ما يجري وما يمكن أن يجري في الأيام القادمة وانعكاسات ذلك على مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل والمنطقة بأسرها.

 

فبالأمس كانت هناك مواجهات عنيفة في ساحات المسجد الأقصى واستخدام مفرط لقنابل الغاز في أروقته وعند أبوابه وتدفقت إلى داخله، بعد أن كانت السلطات الاسرائيلية قد أعلنت مسبقاً بأنها لن تسمح لمن هم دون سن الخمسين بدخوله، أي أن معظم الذين كانوا يتواجدون في المسجد هم من المسنين الذين لا يطيقون التعرض لهذا الغاز، ناهيك عن قدسية المكان التي تتطلب الحد الأقصى من ضبط النفس واحترام أجواء العبادة والتواصل مع الله في يوم هو من أقدس أيامه وهو يوم الجمعة.

وأما آلاف المواطنين الذين توافدوا للصلاة في الأقصى فقد وجدوا أنفسهم مضطرين أمام حواجز الشرطة والمنع الاسرائيلي لأن يصلوا في الشوارع والطرقات وعلى الأرصفة. ومن السهل جداً تصوّر شعور عشرات الآلاف من المصلين الذين وجدوا أنفسهم في عين عاصفة الغاز المسيل للدموع أو يصلون في الطرق والشوارع والأرصفة بعيداً عن بيت الله الذي سعوا إليه.

والذي حدث بالأمس لم يكن وليد ردة فعل مؤقتة على حادث معيّن وإنما جاء في سياق شعور متراكم بأن هناك نية إسرائيلية مبيتة لفرض واقع جديد في المسجد الأقصى يتيح لليهود المتطرفين تقاسمه المكاني والزماني وهو تقاسم لم يحلموا به ولم يفكروا فيه خلال آلاف السنين، كما أنه تقاسم لا يسعى إليه المتدينون اليهود وإنما فئة من اليهود الذين حولوا اليهودية إلى قومية ويرون في الأقصى (جبل الهيكل) رمزاً قومياً وطنياً يخدم في المحصلة النهائية ادعاءاتهم السياسية بالحق التوراتي في الأرض المقدسة بما في ذلك القدس.

والذي حدث بالأمس لم يكن حادثاً أو تصرفاً من قبل فرد أو جماعة وإنما حدث وسيحدث في إطار سياسة حكومية رسمية تسعى إلى تحقيق هدف سياسي من خلال مكان ديني مقدس، وتتحدث في تناقض فاضح عن التحريض الفلسطيني وعن رغبتها في السعي لتحقيق السلام مع جيرانها العرب وهي التي تمارس التحريض.

لقد أثبت تقرير موثق أعدته جمعية عير عميم الاسرائيلية تورط وزارة التربية والتعليم الاسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء والعديد من الوزارات والدوائر والجهات الحكومية الاسرائيلية في الحملة الممنهجة المنظمة للاقتحامات المتكررة للأقصى والسعي للصلاة في ساحاته وخلق واقع استيطاني فيه. ولقد شهد الأسبوع الماضي تصعيداً خطيراً تمثل في زيادة وتيرة النقاش في الكنيست الاسرائيلي حول فرض السيادة الاسرائيلية على الأقصى، وكذلك تسليم جماعة إلعاد الاستيطانية المتطرفة صلاحية الإشراف والعمل المطلق في الساحات الملاصقة لحائط المسجد الأقصى من الجهتين الغربية والجنوبية بما في ذلك المنطقة المسماة قصور الأمويين في الجهة الجنوبية.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن جماعة إلعاد الاستيطانية هي التي تقوم بالبرامج الحثيثة المكثفة للاستيطان في السفوح الواقعة خارج باب المغاربة والمسماة "عير دافيد" أي مدينة داود وهي جزء هام من بلدة سلوان التي هي جزء من القدس، فإن تسليم جماعة إلعاد المناطق الملاصقة للأقصى يشبه ما يسمونه تسليم القط مهمة حراسة علبة الجبنة أو (الشمينيت) كما يقولون باللغة العبرية! لأن تواجدها وسيطرتها على هذه المناطق سيعني المزيد من التحرش بالمسجد الأقصى والمسلمين والسعي إلى التدخل في شؤونه والمزيد من الأنشطة الاستيطانية والحفريات تحت وحول الأقصى.

التصعيد في الهجوم على المسجد الأقصى والسماح للمتطرفين اليهود الدخول إلى ساحاته وغض النظر عن قيام بعضهم بالطقوس الدينية في ساحاته هو التحريض بحد ذاته لإثارة مشاعر المسلمين وجرهم للرد العنفي ضد هذه الممارسات الإسرائيلية لاستخدام ذلك ذريعة للمزيد من إجراءات التهويد. وأكبر دليل على تشجيع هذا التحريض هو محاولة فرض جو من الارهاب ضد المسلمين الذين يتصدون للمحاولات الإسرائيلية في الأقصى بما في ذلك ذلك السدنة والحرس الذين يقومون بوظائفهم فيه. فقد أصبحت السياسة الأمنية الإسرائيلية المألوفة هي إصدار أمر إبعاد عن المسجد الأقصى لمدد متباينة تتفاوت من أسبوعين إلى أشهر ضد أي مواطن فلسطيني يتصدى أو يعارض الاعتداءات اليهودية على الأقصى أي لتنقية ساحات الأقصى من أي عنصر يتصدى لمحاولات التهويد فشمل ذلك بعض الأئمة والشيوخ والحرس على حد سواء.

لا أعتقد أن من المجدي إنكار أهمية القدس والمكان الذي يسمونه جبل الهيكل ونسميه نحن بالمسجد الأقصى بالنسبة لليهود، ولا يستطيع أحد أن ينتزع من قلوب اليهود حبهم أو تعلقهم بهذا المكان، ولكن هناك حقائق تاريخية ودينية لا يمكن تجاهلها أو المساس بها، وأهم هذه الحقائق هو أن المسجد الأقصى الذي تم إعماره منذ الفتح الإسلامي للمدينة المقدسة هو أقدس ثالث مكان في العالم بالنسبة للمسلمين فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين وإليه تشد الرحال من كل بقاع المعمورة بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي.

لقد أدرك حاخامات اليهود عبر القرون الطويلة الحكمة من وراء عدم محاولة المساس بالأقصى وإثارة الفتنة بشأنه لما يمكن أن تجره عليهم فأفتوا بعدم جواز دخول اليهود الى ساحات المسجد الأقصى، ناهيك عن الصلاة في ساحاته التي تشكل جزءًا لا يتجزأ منه ولا تزال هذه الفتاوى سارية ومتبعة من قبل المتدينين الحقيقيين منهم حتى اليوم. ولكن المشكلة التي نواجهها هذه الأيام هي من أولئك الذين يركبون موجة الدين لأهداف قومية تمتهن الدين وتسيء إليه.

المسجد الأقصى هو برميل بارود لا يجوز العبث به أو إشعال فتيله، وإذا أعتقد البعض من الإسرائيليين بأن الأجواء العربية المتداعية هي أفضل فرصة لتحقيق أهدافهم فإنهم يخطئون كل الخطأ إذا ما اعتقدوا أن ذلك يمكن أن ينطبق على الأقصى.

ولعل من الألاعيب المكشوفة تجيير ما يجري في المسجد الأقصى من رفض للممارسات الإسرائيلية إلى حركة حماس في محاولة للتقليل من أهميته واستغلال الأجواء المعبأة ضد حماس لاستخدامها ضد الذين ينبرون للدفاع عن الأقصى أو المساس بمصداقيتهم السياسية.

فقد نقلت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي عن ضابط كبير في جهاز المخابرات العامة (الشاباك) قوله أمام محكمة إسرائيلية أن أكثر ما يخشاه الشاباك في الآونة الأخيرة هو محاولة إشعال منطقة الأقصى على يد حركة حماس، بغية تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية. ومن الواضح لكل ذي عينين في وجهه أن هذا الكلام إما أن يكون مغرضاً وإما أن يكون ساذجاً وهو قول خاطئ في كلتا الحالتين. فالمواجهات التي تقع في الأقصى وفي سائر أنحاء مدينة القدس هي رد فعل تلقائي من قبل كل شرائح المواطنين بما في ذلك النشطاء المسيحيون ضد الاستفزازات الإسرائيلية فكيف يمكن أن يقال بأن هؤلاء هم من عناصر حماس! ونفس الحديث ينطبق على الأوضاع المتفجرة في الضفة الغربية.

الأوضاع متفجرة ليس فقط في المسجد الأقصى وإنما في كل أرجاء الأرض المحتلة وستزداد تفجراً إذا ما حاولت أمريكا وإسرائيل فرض ورقة مبادئ مجحفة بحقوق شعبنا على الرئيس عباس. وعلى الإسرائيليين أن يختاروا إما الدخول في مواجهة لا نهاية لها مع الإسلام والإسلاميين والمسلمين بكل أشكال منظماتهم وتنظيماتهم وفي صراع طويل الأمد سيكونون هم الخاسرين فيه، وإما ان ينزعوا فتيل القنبلة ويعودوا إلى الحكمة التي اتسم بها حاخاماتهم عبر عشرات القرون والتي حرمت عليهم الدخول إلى ساحات المكان المقدس. أما الاستمرار في إطلاق العنان للمتطرفين المهووسين فهو أعنف شكل من أشكال التحريض تمارسه إسرائيل وعليها أن تتحمل نتائجه وعواقبه.