لم يعد هناك مجال للمجاملة.. ففلسطين على المذبح... لا شك ان تعافي القوى الفلسطينية يصب في تعافي القضية وتحديد البوصلة واسترداد الشعب لما ضاع منه من فسحة الأمل والقناعة والتمسك بالثوابت والعمل في مواجهة المحتل..
فلا تباين المواقف ولا الانقسامات ولا اضعاف أو ترهل أي حركة فلسطينية يصب في مصلحة الوطن ولا إخفاء الرأس في الرمل والإبقاء على التراجع في المواقف والعمل أيضاً يصب في هذه المصلحة. .وأخص هنا كبرى الحركات الفلسطينية.. حركتي فتح وحماس... وبكل صراحة وحرص ودون أي موقف مسبق بل من مبدأ الحفاظ على ما قدّم من التضحيات والمبادئ وكذلك ابقاء راية العمل الوطني مرفوعة في مواجهة كل المخططات.
ولنبدأ بحركة فتح (حزب السلطة في الضفة).. حركة فتح بتاريخها النضالي.. وبما قدمه أبنائها من تضحيات ...تلك الحركة التي تصدرت النضال الوطني منذ الستينات وقدمت قوافل الشهداء والاسرى والمبعدين.. نجدها الآن وهي على أبواب مؤتمرها السابع على مفترق طرق لا يؤثر على الحركة فقط بل على مجمل القضية الفلسطينية ..كيف لا وهي بهذا الحجم والتأثير ..وهي تمتلك الحكم في الضفة ولا شك أن هناك أكثر من توجه ورؤيا داخل الحركة بدءا بالموقف الذي يؤمن بالعملية السلمية بقوة ويدافع عنها وينتهج نهج التفرد في المواقف..والموقف الذي يؤمن بمباديء الحركة في المقاومة والتحالفات الوطنية ..ومروراً بحالات الفصل للاعضاء المرتبطين بالطرف الذي يمثله محمد دحلان المعزول بقرار اللجنة المركزية ...وهذه التباينات والاختلافات تؤثر على أداء وعمل الحركة وتهدد بانقسامات داخلية لا يتمناها الا اعداء الوطن والحركة وتشكل ضبابية في المواقف والنشاط.
وهذه المواقف والخلافات بدأت بالظهور بشكل واضح وعلني في الاعلام وعلى مستوى الشارع ولا يستطيع انكارها او تجاهلها الا من لا يريد حلها والخروج منها نحو استعادة الحركة وحدتها وتحديد البرنامج والاهداف.
وليس الامر في حركة حماس باحسن من هذا الحال فحركة حماس التي انبثقت من رحم حركة الاخوان المسلمين وانتهجت نهج المقاومة في العام 1987 بعد انطلاق الانتفاضة الاولى ...وسارت على درب المقاومة وقدمت ايضا الشهداء والاسرى والمبعدين وامتدت وتنامت جماهيريا لتنافس حركة فتح على القيادة واصبحت هي ايضا (حزب السلطة في قطاع غزة) ونرى ايضا داخل حركة حماس 3 توجهات واضحة للعيان وبقبول وتعايش مع الامر من قيادتها لسببين في رأيي ..الاول لرغبة القيادة في الحفاظ على وحدة الحركة خشية من الانقسامات ...ولرغبة باستمرار القنوات المفتوحة مع الدول الاقليمية ...ونستطيع حصر هذه التوجهات باختصار بالتوجه المقاوم والمرتبط ب قوى المقاومة في المنطقة مدعوما من ايران وبعلاقات مع حزب الله ...والتوجه الثاني البراغماتي والمؤمن بعلاقات جيدة مع مصر للحفاظ على المصالح داخل القطاع ولقناعته بدور مصر الاقليمي وحسن الجوار ...اما التوجه الثالث وهو المرتبط بحركة الاخوان الام وضرورة الترابط معها والحفاظ على علاقات مميزة مع تركيا وقطر. وهنا الامر ايضا واضح وجلي ومن لا يراه او يعترف به فهو يرضى للحركة البقاء على ادارة الخلافات دون حلها ..والتي تهدد ايضا بانقسامات ...ليست في صالح احد.
هاتان الحركتان الكبيرتان قادتا الانقسام الذي عصف بالشعب الفلسطيني منذ سبع اعوام وأثر على مجمل القضية والاداء الوطني وكافة نواحي الحياة في المجتمع الفلسطيني... هذا الانقسام الذي اصبح يتجذر اكثر فاكثر يوميا ليصبح عاموديا يضرب المشروع الوطني في الصميم ... هاتان الحركتان اصبحتا الآن امام تحديات جسام وامام مخاضات ليست بسيطة ... ومرة اخرى فإن تحديد هذه الرؤية والنظرة للامور لا يستهدف الإنقاص أو محاكمة الحركتين لا سمح الله ولكن من أجل النقد البناء حفاظاً عليهما وعلى إنجازات الشعب الفلسطيني والتركيز على إعادة البناء الداخلي لمواجهة أدق اللحظات التي تواجه قضيتنا وأكثرها دقة وحسماً.
فقد يكون رفع المحكمة الأوروبية لاسم حركة حماس من سجل الإرهاب توجهاً إيجابياً للحركة والشعب وانتصاراً لمقاومة الشعب الفلسطيني... وقد يكون التوجه لمجلس الأمن لطلب وضع سقف زمني للاحتلال إنجازاً سياسياً للشعب ونصراً لموقف حركة فتح... ولكن قد يكون أيضاً الموقف الأول دعماً لزيادة الانقسام ودعوة للتعامل مع فريقين فلسطينيين في لعبة احتواء مزدوج ... وقد يكون في الأمر الثاني استدراج للتنازلات لإثبات قوة الفريق... وعدم إنجاز أي تقدم بل الاستفراد بهذا الفريق وتهديده بالفريق الآخر.
أخوتنا وأخواتنا في حركتي فتح وحماس الموقف في غاية الخطورة... انقسامكم دمّر النسيج الوطني وأربك العمل الوطني... وأي انقسامات داخلية لا تصب في مصلحتكم ولا مصلحة الشعب... وأقولها بألم وحرص وانفتاح وقلب مفتوح... راجعوا كافة التوجهات وراجعوا أصول الانقسام... وراجعوا الأهداف الوطنية والبرنامج الوطني وافتحوا أيديكم وقلوبكم لأبنائكم ولجميع القوى والمؤسسات وللشعب بأكمله على قاعدة الشراكة الكاملة وتبني البرنامج الوطني الموحد الذي نقاوم من خلاله معاً ونذهب للعالم ومؤسساته من خلاله معاً أيضاً... ففلسطين ملك لكل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وليست حكراً لأحد.. والعالم لا يسمع من الضعفاء والمنقسمين ولنمارس دور الفاعل بدل أن نكون المفعول به... اعذروني على الصراحة واقبلوا مني المودة والمحبة... والله من وراء القصد.