"مزروعات النقب" عبارة بالإنكليزية Negev Plantation حرّكت في نفسي كوامن الشجن، لماذا؟ لأن صندوق الكرتون في مقهى رام الله يحوي برتقالاً، والبرتقال من النقب؟! في بلادنا شجرتان "مقدستان": الزيتون، والبرتقال. فلسطين هي الزيتونة بالنسبة للمواطن في مناطق السلطة، وهي البرتقال بالنسبة للاجئ من الساحل.. وكلاهما تتعرضان للأذى. الزيتونة من جانب المستوطنين في الضفة
، والبرتقال الذي يجف عطشاً في غزة والضفة.
الكوامن الشجن جانب، أيضاً، في النقب المهدد بالتهويد (مشروع برافر - بيغن). وجانب منه يخيّر بدو النقب: تخلوا عن أرضكم نعطيكم ماء (كما في القصة الشيلوكية) وليس ماء لتزرعوا البرتقال، بل ماء لبيوتكم في قراكم المعترف بها؟
افتتاحية "هآرتس" ليوم الثلاثاء استعارت عبارة من التوراة: "أقتلت وورثت؟" وجعلتها "أطردت وورثت أيضاً"، وهذا في عنوان تعليقها على قرار الحكومة اقامة بلدة "حيرن" على أراضي القرية البدوية "أم الحيران".
يحكون، هنا، عن "دولة فلسطينية متواصلة" وفي إسرائيل يحكون عن ماذا؟ عن "منع تواصل عربي في النقب" (تصريح يرون بن عزرا، مدير عام دائرة الاستيطان في الوكالة اليهودية قبل عامين).
يحكون، هناك، عن "غزو البدو اراضي قومية"، لكن بعض القرى البدوية، المهددة بالهدم لأنها "غير قانونية" اقيمت قبل ان تقوم لاسرائيل قائمة (إسرائيل أخفت أرشيف الأراضي البريطاني والعثماني من أرشيفها الوطني").
ليس كل حاخامات اليهودية - الاسرائيلية متطرفين وموتورين. هاكم تفنيد اريك أشرحان، رئيس منظمة "حاخامون من اجل حقوق الانسان" لأسس الادعاءات و"الاساطير" اليهودية التي تسوّغ تهويد النقب:
١ - الاسطورة الأولى: "البدو يسيطرون على النقب" وهي قناعة خاطئة لدى 87 % من يهود اسرائيل، لكن الحقيقة هي ان مطالب البدو في ملكية الارض لا تتعدى 4.5 % من المساحة.. وهذه كانت مفاجأة للادعاء الأسطوري.
٢ - الأسطورة الثانية: ليس البدو اصحاب الاراضي حقاً، لكن قرية العراقيب تملك وثائق ملكية تركية وبريطانية.. وقد هدمت ٤٠ مرة.. ومن ثم "لم يعد ممكناً الكذب على أنفسنا أو القول: لم تكن للبدو ملكية على أراض في النقب" قال الحاخامات.
الاسطورة الثالثة: البدو لا يدركون "مصلحتهم". عليهم أن يسكنوا حيث نشاء، وعلينا أن نبت في مسألة ملكية الأراضي كما نشاء.
لجنة برافر - بيغن رفضت طلباً من "حاخامون من أجل حقوق الإنسان" لإعطائها، أو إعطاء أعضاء الكنيست معطيات عن حجم الأراضي التي ستصادر من البدو (التقديرات 800 الف دونم) .. وفي افضل سيناريو للجنة جاء ان البدو سيحصلون على تعويض بنسبة 50 % أرضاً بديلة، وإن لم يتفقوا ويتعاونوا سيحصلون على 20 %، وإن لم يقبلوا في غضون شهرين لن يحصلوا على شيء.. سوى "السماء والطارق".
قسمت إسرائيل أرض النقب الى أ.ب.ج وطردت بدو منطقة (أ) خارج فلسطين، ونقلت بدو (ب) إلى (ج) وهذا من أجل التمويه على سندات ملكية البدو للأراضي.. وها هي تطاردهم في ضواحي القدس ومنطقة الاغوار.
عكا ليست مدينة بدوية ولا يافا ولا حيفا، ولكن منازل اللاجئين بعد نكبة 1948 صارت "املاك غائبين" وتدير معظم المنازل القديمة في عكا شركة "عميدار" التي ترفض فتح المنازل المغلقة.. إلا للبيع لأثرياء اليهود في العالم وفي إسرائيل.. أو تأجيرها لأصحابها الأصليين!
* * *
اكتشف "أرخميدس" قانون الإزاحة لما جلس في مغطس الحمام، وأما التهويد والإحلال والاستيطان فقد اكتشف قانون الإزاحة منذ أول "كبانية" يهودية، الى تصريح دايان الشهير: "ههنا كان استيطان عربي؛ وههنا صار استيطان يهودي. نحن نحوّل بلداً عربياً إلى بلد يهودي".
* * *
في مطلع حقبة السلطة انتقلنا في باص عسكري إسرائيلي من غزة إلى أريحا.. مروراً بشمال النقب. فوجئنا بالغابات والمزارع. يومها قال صديقي وزميلي توفيق أبو زعنونة: "فلسطين أنثى" (معظم البلاد مؤنثة.. وإسرائيل مذكر؟).
لا علاقة لانوثة فلسطين "تخضير الصحارى" و"تجفيف المستنقعات".. ومنع التواصل العربي في النقب، او دولة فلسطينية متواصلة.
هذا صراع الجغرافيا والديموغرافيا والميثولوجيا والأرض في الجليل والمثلث والنقب وفي الضفة الغربية هي ميدان الصراع في قانون الإزاحة.
* * *
أتذكر "طوشة" بين ليبرمان ومحمد بركة: قال الأول: اذهبوا إلى مكة. قال الثاني: ماذا؟ أنا هنا قبلك وباق بعدك.. تباً لك. اذهب إلى الجحيم".