ككل مرة يصل فيها وزير الخارجية الأميركية جون كيري الى فلسطين واسرائيل، يثار جدل حول ما يحمله من جديد من مبادرات ووعود، تطمينات وضغوط، وككل مرة يتبين ان لا جديد من الناحية الواقعية سوى حث الطرفين، الفلسطيني والاسرائيلي على تجاوز الخلافات بهدف التوصل الى توافقات ولو على بعض الملفات، كما يتبين
ان العملية التفاوضية تكاد تكون مكشوفة تماماً، اذ ان اطرافها تدرك ان هذه العملية مجرد حراك نشط احياناً، وادراك الاطراف ان الامر سيظل كذلك.
ومع ان هناك تفاهمات بحيث تظل تداولات هذه المفاوضات سرية، الا ان إسرائيل تنجح دائماً في تسريب معلومات او شائعات متعمدة حول مجرى هذه العملية، بهدف إرباك الساحة الفلسطينية حيناً، او بهدف جس نبض الشارع، سواء في إسرائيل او في فلسطين حول بعض القضايا المتعلقة بالملفات الرئيسية.
هذه المرة، فإن زيارة كيري لا تختلف كثيراً عن جولاته السابقة، فقد استقبلته اسرائيل بالاعلان عن موجة جديدة كبيرة من الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، ولعل الاختلاف في هذه المرة عن سابقاتها، ان اسرائيل سرّبت العديد من المعلومات حول مجرى العملية التفاوضية المستمرة منذ اربعة اشهر تخللتها خمسة عشر لقاءً ثنائياً، حضر معظمها المبعوث الأميركي للمفاوضات مارتن انديك، أشارت إسرائيل من خلال هذه التسريبات الى ان ملف القدس قد تم فتحه، لكن لا جديد حوله، اذ ان الدولة العبرية ما تزال تصر على ان مدينة السلام ستظل "موحدة" كعاصمة لإسرائيل، مع خلافات بين رئيسة الملف التفاوضي الإسرائيلي تسيبي ليفني والمحامي يتسحاق مولخو المبعوث الخاص لرئيس الوزراء نتنياهو، حول مدى حرية الحركة للفلسطينيين في القدس الشرقية.
الاهم في هذه التسريبات الاسرائيلية يتعلق بملف الحدود، اذ ان إسرائيل تنطلق باعتبار ما تسميه السياج الأمني الفاصل في الضفة الغربية، هو خط الحدود بين الدولتين، إسرائيل وفلسطين وليس حدود الرابع من حزيران كما يطالب الجانب الفلسطيني، وهذه المرة لا تكتفي إسرائيل بالإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبرى تحت حدود سيادتها، بل مطالبتها بضم مستوطنات إضافية كـ"بيت إيل" و"بساغوت" في محيط مدينة رام الله الى هذه السيادة، مع الاحتفاظ بغور الاردن ومصادر المياه تحت السيادة الإسرائيلية، مع امكانية تأجير بعض منابع المياه للفلسطينيين.
إسرائيل رسمياً لم تعلق على هذه التسريبات بذريعة سرية المفاوضات، لكن تناقل وسائل الإعلام الإسرائيلية، المكتوبة والمسموعة والمرئية، نفس هذه التسريبات في وقت واحد، إشارة الى ان جهة ما، متصلة بالمفاوضات، قد سربت هذه الأخبار بشكل متعمد قبيل وصول وزير الخارجية الأميركية، في اشارة واضحة الى ان كيري اذا لم يحمل جديداً، فإن اسرائيل لديها الجديد الذي تطرحه كأمر واقع وعلى الطرفين الأميركي والفلسطيني التعامل مع هذا الجديد.
الجانب الفلسطيني، المتمسك بسرية المفاوضات بشكل مريب، ما زال ينتظر جديد كيري، معتمداً على وعد هذا الأخير للرئيس محمود عباس عند اجتماعهما قبل عشرة أيام في لندن بتدخل أميركي فاعل في العملية التفاوضية اذا ما استمرت هذه العملية دون تقدم ملموس، لكن وزير الخارجية الأميركي وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير الخارجية السعودي أثناء زيارته للرياض، قال ان الدور الأميركي يقتصر على تشجيع الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي على التقدم في العملية التفاوضية من دون أي تدخل أميركي!! بينما قالت مصادر إسرائيلية ان المبعوث الأميركي الى المفاوضات مارتن انديك، لم يشارك سوى مرة واحدة في اللقاءات التي عقدتها ليفني مع صائب عريقات، كدليل على ان الجانب الأميركي، رغم كل ذلك غير مرحب به إسرائيلياً في هذه المفاوضات، الا اذا ظل شاهداً على العقبات التي تضعها إسرائيل أمام تقديم العملية التفاوضية، واقتصار الدور الأميركي على إقناع الجانب الفلسطيني، تحت الضغط، بأن التقدم في العملية التفاوضية يتطلب تنازلات فلسطينية، ذلك ان اية تنازلات اسرائيلية تعني سقوط حكومة نتنياهو، وهو امر لا يمكن قبوله.
ابو مازن في تصريح له مؤخراً بعد اجتماعه مع قيادات في حركة فتح، اشار الى تعثر العملية التفاوضية، وكان يمكن ان يقول ان هذه العملية قد وصلت الى طريق مسدود، واذا كان الأمر كذلك، فإن الخيار الوطني الفلسطيني يجب ان ينبثق من إصلاح الوضع الداخلي الفلسطيني، كخيار لا بد منه من اجل تقوية وتصليب الموقف الفلسطيني.
ان الجهد الوطني الفلسطيني نحو إنهاء حالة الانقسام، هو ربح صاف لفلسطين، بصرف النظر عن ربح او خسارة العملية التفاوضية، من هنا، فإن تكثيف الجهد بهذا الاتجاه بات مطلوباً اكثر من أي وقت مضى!!