في سباق مع الزمن تسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى تهويد ما تبقّى من أرض في حوزة الفلسطينيين داخل "الخط الأخضر" وفي مدينة القدس. ولا يمرّ يوم من دون أن تطالعنا وسائل الإعلام الإسرائيلية بنبأ حول استصدار قانون عنصري لفرض "يهودية دولة إسرائيل"
بعد جعل حياة الأقلية العربية هامشية في كل مناحيها، أو بمخطط تهويدي للسيطرة على مزيد من الأراضي في الجليل والنقب والمثلث، وكان آخرها موافقة الحكومة الإسرائيلية يوم الأحد الماضي على مشروع «قانون القومية» الذي قدّمه عضوا "الكنيست" زئيف إلكين (من الليكود) وأيليت شاكيد (من البيت اليهودي). وبذلك تكون "إسرائيل" قد قوننت فكرة يهوديتها.
وتبعاً لذلك يجمع المراقبون أن مصطلح "يهودية دولة إسرائيل" لم يعد مجرد فكرة، حيث ستسعى المؤسسات الإسرائلية المختلفة إلى تنفيذ مخططات لتهويد كل مناحي الحياة داخل "الخط الأخضر" والقدس.
فكرة يهودية الدولة كانت دائماً إحدى ركائز الفكر الصهيوني. وبغض النظر عن أن درجة هذه اليهودية وبعض مضامينها كانت مثار جدل بين تيارات معينة في الحركة الصهيونية، إلا أن الزخم الكبير لهذه المقولة المتجددة ينطوي على أبعاد مهمة وجوهرية، وفي المقدمة منها نفحات عنصرية ضد الأقلية العربية داخل "الخط الأخضر" واللاجئين الفلسطينيين في أماكنهم المختلفة، سواء داخل فلسطين التاريخية أو في المنافي القريبة والبعيدة.
لقد اتخذ "الكنيست" الإسرائيلي يوم 16-7-2003 قراراً بضرورة تعميق فكرة "يهودية الدولة" وتعميمها على دول العالم ومحاولة انتزاع موقف فلسطيني إلى جانب القرار المذكور. وقدّم مشروع القرار آنذاك أعضاء كتلة الليكود في "الكنيست"، وتمَّ تشريعه بعد التصويت عليه. وتضمّن القرار أيضاً إشارات إلى أن الضفة الغربية وقطاع غزة ليسا مناطق محتلة، لا من الناحية التاريخية، ولا من ناحية القانون الدولي، ولا بموجب الاتفاقيات التي وقعتها "إسرائيل". ودعا القرار إلى مواصلة تعزيز المستوطنات وتطويرها، وإلى التمسك بالسيادة المطلقة على القدس بشقيها الغربي والشرقي المحتلين في عامي 1948 و1967، والاحتفاظ كذلك بالمناطق الأمنية.
وفي محاولة لتهويد ما تبقى من أراضٍ بحوزة الأقلية العربية داخل "الخط الأخضر"، وضعت السلطات الإسرائيلية مخطّطات لتهويد منطقة الجليل والحدّ من التركز العربي فيها، وذلك عبر أسماء مختلفة، مثل ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود لعام 2020. هذا إضافة إلى ظهور مخطّطات للحدّ من التركز العربي في منطقة النقب التي تشكل مساحتها 50 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية. من تلك المخططات مخطط «برافر»، الذي يسعى إلى مصادرة 800 ألف دونم، وتجميع عرب النقب البالغ عددهم نحو 200 ألف نسمة في مساحة هي أقل من 100 ألف دونم، أي على أقل من 1 في المئة من مساحة صحراء النقب في جنوب فلسطين المحتلة. واللافت أنه خلال السنوات القليلة الماضية استصدرت الحكومات الإسرائيلية رزمة قوانين للسيطرة على مزيد من الأراضي المتبقية بحوزة الفلسطينيين، ناهيك عن استصدار قوانين من شأنها تعزيز فكرة "يهودية إسرائيل". ومن أخطر تلك القوانين «قانون القومية» الذي أقرّته حكومة نتانياهو مؤخراً بما يتضمّنه من أبعاد ديموغرافية وجغرافية، وكذلك قانون الجنسية وقانون النكبة الذي يحظّر على الأقلية العربية إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، فضلاً عن قوانين تمنع التزاوج بين أفراد من الأقليّة داخل "الخط الأخضر" مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك بغية الحد من التواصل الديموغرافي.
ولم يكن قانون |المواطنة والولاء| الذي يفرض على الأقلية العربية الاعتراف - من خلال القسم – بـ"يهودية إسرائيل" قبل الحصول على الجنسية الإسرائيلية أقلّ خطورة من القوانين والقرارات العنصرية المشار إليها. وتكمن أخطار تلك القوانين الإسرائيلية التي تسارعت وتيرة صدورها في ظلّ حكومة نتنياهو الحالية بتداعياتها المستقبلية الخطيرة على وجود الأقلية العربية. وقد يكون التحدي الأهم الذي سيواجهه الفلسطينيون في الداخل هو السياسات الإسرائيلية الرامية إلى زعزعة وجودهم كأقلية في أرضها بغية طردهم في نهاية المطاف. ولهذا يتطلب الأمر الكشف عن المستور من تلك السياسات وأخطارها، بالاعتماد على خطاب فلسطيني وعربي مدروس، حيث يعتبر مجرد استمرار وجود الأقلية العربية في أرضها - عبر أشكال الدعم المختلفة - رصيداً ديموغرافياً ووطنياً له دلالة مباشرة على الهوية العربية للأرض التي قامت عليها "إسرائيل" عام 1948. وقد يكون ذلك هو الردّ الحقيقي على مخططات المؤسسة الإسرائيلية الرامية إلى ترسيخ فكرة "يهودية" الكيان عبر تهويد المكان سواء في القدس أو في منطقة الجليل أو المثلث أو النقب.
ويبقى القول إنه على رغم السيطرة الإسرائيلية المباشرة على النسبة الكبرى من أراضي الفلسطينيين، إلا أن المحاولات الحثيثة لترسيخ فكرة "يهودية الدولة" في الجانب الديموغرافي لم تفلح إلى حد كبير، حيث سيصبح الفلسطينيون غالبية في وطنهم التاريخي فلسطين بحلول عام 2020، وفق ما أشارت إليه دراسات فلسطينية وإسرائيلية. ولهذا ستسعى "إسرائيل" إلى فرض الأمر الواقع التهويدي عبر قلب الميزان الديموغرافي لمصلحة التطلعات الإسرائيلية، التي أوصت بها مراكز البحث الإسرائيلية، وكذلك توصيات مؤتمرات هرتسليا السابقة.