تصادف اليوم الذكرى الـ96 لوعد بلفور المشؤوم، والذي اعطى فيه من لا يملك وعداً لمن لا يستحق من أجل إقامة وطن قومي لليهود على انقاض شعبنا وارضه، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، فإن جريمة بريطانيا مستمرة ومتواصلة، وهي بدلاً من ان تعتذر لشعبنا عن تلك الجريمة
او تقف الى جانبه في سبيل تحقيق اهدافه بالعودة والحرية والإستقلال، إستمرت في دعم اسرائيل التي واصلت عدوانها على شعبنا الفلسطيني، لتستكمل احتلال كامل مساحة فلسطين التاريخية في عدوان حزيران/1967، حيث وفرت لها القوى الإستعمارية وفي المقدمة منها امريكا وبريطانيا المظلة والحماية والدعم بكل أشكاله، لكي تواصل عدوانها وجرائمها على وبحق شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية، حيث منعوا صدور اي قرارات او عقوبات دولية قد تتخذ بحق دولة الإحتلال على خلفية استمرارها في إحتلال أرض شعبنا الفلسطيني وطرده وتهجيره وارتكاب الجرائم بحقه، والتي ترتقي الى مستوى جرائم الحرب الدولية.
منذ وعد بلفور وحتى اللحظة الراهنة، لم يجر إنصاف شعبنا الفلسطيني، ولم يلتفت من كانوا سبباً في هذه الجريمة والمأساة له، لما يجري ويرتكب بحقه من ممارسات واجراءات قمعية وجرائم حرب من قبل دولة الإحتلال، بل تلك الدول الإستعمارية، كانت تنظر الى مأساة شعبنا بعيون اسرائيلية، محولة شعبنا من ضحية الى جلاد، وواصفة نضالاته وتضحياته من اجل نيل حريته وحقوقه وإستقلاله بأنها شكل من أشكال الإرهاب، في تنكر وازدواجية معايير للقوانين والمواثيق الدولية، التي تعطي الحق وتمنح الشعوب الحرية والمشروعية في خوض كل أشكال النضال والكفاح من اجل تحرير اوطانها وطرد الإحتلال عنها.
نعم مأساة شعبنا الفلسطيني واستمراره بدون وطن او ارض يقيم عليها دولته، والعيش في ظروف جد مأساوية في مخيمات اللجوء والشتات، بريطانيا هي من يتحمل المسؤولية المباشرة عنه، ويجب على شعبنا الفلسطيني، أن لا ينسى ولا يسامح ولا يغفر لبريطانيا تلك الجريمة والمأساة المتواصلة حتى يومنا هذا، فواجب شعبنا وقيادتنا مقاضاة بريطانيا امام المحاكم الدولية، وإلزامها بأن تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن تلك المأساة والجريمة، وأن تدفع لمئات السنين تعويضات لشعبنا على تلك الجريمة بإصدارها وعد من لا يملك ليمنح أرضنا ووطنا لمن لا يستحق.
بريطانيا هي واحدة من الدول التي تقف الى جانب اسرائيل، وتقدم لها كل أشكال الدعم، لكي لا تطبق قرارات الشرعية الدولية، وتمعن في ارتكاب الجرائم بحق شعبنا، وترفض حقه في نظرة استعلائية عنصرية في الوجود والحرية، وبريطانيا بدلاً من أن تتخذ اجراءات وعقوبات رادعة ضد الإحتلال الإسرائيلي وجرائمه، وجدنا انها كانت في طليعة الدول الأوروبية الغربية التي عدلت قوانينها وطوعت قضائها، لكي لا يتم اتخاذ اجراءات قضائية واعتقالات على اراضيها بحق قادة وجنود ومستوطني دولة الاحتلال الإسرائيلي الذين يرتكبون جرائم حرب بحق شعبنا الفلسطيني، وكانت في طليعة الدول التي رفضت التصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، من اجل إدانة اسرائيل وتجريمها، بسبب ما ارتكبته من جرائم حرب واستخدامها للسلاح المحرم دوليا في حربها العدوانية على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة في اواخر 2008.
منذ وعد بلفور المشؤوم وشعبنا الفلسطيني يخوض نضالاته وكفاحه، ويدفع مئات الآلاف من الشهداء والأسرى والمصابين، لتجسيد حلمه للعيش في وطن حر كباقي الشعوب، ينهي مأساته ولجوئه وتشرده، ولكن هناك من الأسرة الدولية من هم يمدون اسرائيل بكل مقومات القوة والعدوان وانتهاك القانون الدولي، وفي مقدمتهم بريطانيا وامريكيا، ويمنعون تجسيد حلمنا شعبنا الفلسطيني، ليس فقط برفض نضالاه وكفاحه واعتباره شكل من اشكال الارهاب، بل وعبر المؤسسة الدولية هيئة الأمم المتحدة، التي اكتسب وجود دولة الاحتلال شرعيته الباطلة منها، وأيضاً عبر طريق المفاوضات التي قالوا لشعبنا بانها الطريق والسبيل الوحيد لتلبية جزء من تطلعاته واهدافه.
فها هي المفاوضات العبثية والعقيمة والمتواصلة منذ اكثر من عشرين عاماً، تدور في نفس الحلقة المفرغة، ولم تحقق لشعبنا الفلسطيني حتى الحدود الدنيا من حقوقه وثوابته الوطنية، بدولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران/1967، بل يستغلها الإحتلال من اجل مواصلة فرض وقائع وحقائق جديدة، يتعذر من خلالها تحقيق دولة فلسطينية مستقلة، فالإحتلال يواصل تكثيف وزيادة وتائر استيطانه بشكل جنوني، حيث الآلاف الوحدات الإستيطانية تقام في القدس وأراضي الضفة الغربية، ويواصل ارتكاب المجازر بحق البشر والشجر والحجر، فأكثر من 200000 شجرة زيتون منذ بداية الاحتلال جرى اقتلاعها، وألالاف البيوت هدمت، ففي القدس تتواصل المجزرة بحق البشر والحجر، حيث صعد الاحتلال من عمليات هدمه للمنازل في المدينة، واخطر مئات السكان بنيته هدم منازلهم في مناطق شعفاط/ رأس خميس ومخيم شعفاط وعناتا وسلوان وغيرها، وليبلغ عدد المنازل التي جرى هدمها في مدينة القدس منذ بداية لإحتلال اكثر من 2000 منزل.
هذا "التغول و"التوحش" الإستيطاني الذي بلغ حد الـ"تسونامي" على طول وعرض جغرافيا فلسطين التاريخية وبالذات في مدينة القدس، ما كان له ان يكون، لو ان قوى الظلم والإستكبار والعدوان في العالم، وفي المقدمة منها بريطانيا وامريكا، أخضعت دولة الإحتلال الصهيوني للقوانين الدولية، ولم تقدم له كل أشكال الدعم والمساندة والحماية، لكي يبقي دولته فوق الشرعية الدولية.
في الذكرى السادسة والستون لوعد بلفور المشؤوم، نحن كشعب فلسطيني وقوى واحزاب وسلطة، علينا أن نواصل نضالنا وكفاحنا من اجل تحقيق حلمنا في العودة والدولة والحرية والإستقلال، وهذا اول ما يتطلب وقف المفاوضات العبثية التي كفر بها من قال بأن الحياة مفاوضات، واوشك على تقديم استقالته، إن لم يستقل فعلاً، وعلينا أن ننهي ظاهرة الانقسام المدمرة والتي تعبث بجسدنا الفلسطيني كالسرطان وتزيد واقعنا الداخلي ضعفاً على ضعف.
وعلينا ان نعيد الإعتبار للبرنامج الوطني في وحدتنا الوطنية، وكذلك يجب ان نبني استراتيجية جديدة تلتف حولها كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني وطنية وإسلامية، استرتيجية تغلق حالياً خيار المفاوضات نهجاً وثقافة، ولنبني استراتيجية تقوم على الصمود والمقاومة، ولنعيد قضيتنا الفلسطينية الى هيئة الأمم المتحدة، ولنحاكم الإحتلال امام المحاكم الدولية على ما يقترفه بحقنا شعباً وأرضاً من جرائم حرب، ولنحاكم بريطانيا كذلك امام تلك المحاكم، لكونها اساس الجريمة المرتكبة بحق شعبنا الفلسطيني.