Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

ما الذي تعدّه "إسرائيل" لنا في القدس؟.. عبد المجيد سويلم

ما الذي تعدّه

  ناهيكم عن كل ما نشهده اليوم (في هذه المرحلة) من تهويد يجري على قدم وساق، وعن هذه الاستباحة اليومية المتكررة لباحات الأقصى بحيث تحولت هذه الاستباحة إلى ما يشبه برنامجاً للعمل اليومي لغلاة اليمين والتطرف من المستوطنين،

وناهيكم طبعاً عن عمليات الاستيلاء المباشرة على المنازل في سلوان ومعاودة الحديث المتكرر عن مملكة (داود) وعن التقسيم المكاني والزماني للأقصى الشريف .. فإن ما تعده لنا "إسرائيل" في القدس هو اكبر واخطر من كل هذا على الرغم من كل الخطر الذي تمثله السياسة الإسرائيلية في المدينة الفلسطينية المحتلة.

الذي تعدّه "إسرائيل" لنا هو معركة الحسم في هذه المدينة، تعتقد الحكومة الإسرائيلية في غالبية أعضائها - ان لم نقل بإجماعها - ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي قد وصل في الكثير من مفاصله الرئيسة الى النقطة التي باتت تقتضي الحسم النهائي، في حين "يمكن" تأجيل البعض الآخر من هذه المفاصل الى مراحل لاحقة.

الذي يمكن تأجيله هو القضايا التالية حسب ما أفهم من تركيبة الحكومة الإسرائيلية ومن مرجعية الوزراء فيها ومن جوهر المواقف الفكرية والسياسية لهذه المرجعية.

اولا: لا يوجد أية صفة استعجال في ضم مناطق "ج" الى اسرائيل على الفور، ولا يوجد اية صفة استعجال لكي تقوم "إسرائيل" بانسحابات أحادية الجانب، ومن الأفضل على هذا الصعيد بالذات ان تبقى الأمور على ما هي طالما ان مخططات الاستيطان قائمة ومستمرة وطالما ان مصادرة الاراضي قائمة ومستمرة، وطالما ان عمليات القضم المتدرج والمتصاعد متواصلة.

في هذا الإطار، فإن معارضة "ليفني" و"لبيد" ليست مؤثرة، وتأييد "بنيت" و"ليبرمان" مضمونة ولو من باب (وذلك اضعف الايمان) بالنسبة لهذين الآخرين.

وبذلك فإن نتنياهو في حقيقة الأمر "مطمئن" إلى سير الامور وفق ما يخطط وما يرغب وما ينوي ايضاً.

ثانياً: يعتقد غالبية أعضاء هذه الحكومة ان الحل الاقتصادي هو الرشوة المناسبة للتغطية على استمرار هذا "الواقع" وهو الوسيلة الأنجح لامتصاص ردود الفعل الفلسطينية الرسمية والشعبية على حدٍ سواء، كما تعتقد هذه الحكومة ان "الحل الاقتصادي" هو وسيلة فعالة سياسياً لامتصاص ردود الفعل الأميركية على بعض السياسات الإسرائيلية (المفرطة في تهورّها)، وعلى تعاظم معارضة هذه السياسة من البلدان الأوروبية وتصاعد هذه المعارضة شكلاً ومضموناً وبصورة غير مسبوقة وربما خطره على "إسرائيل".

ثالثاً: في منطقة الأغوار تهدف هذه الحكومة الى تحويل الأغوار الفلسطينية الى عمليات "تطوير هائلة في هذه المرحلة لكي تمهد الطريق الى مرحلة الحسم النهائي في المرحلة القريبة القادمة. ومن هذه الزاوية فإن معركة الاغوار هي "مؤجلة" الى حدٍ معين ولكنها على جدول الأعمال المباشر من زاوية الإعداد النهائية لهذا الحسم.

رابعاً: وهنا نعود الى عنوان هذه المقالة، فإن اسرائيل بالنسبة الى القدس قد حسمت أمرها باتجاه الحسم. كيف؟؟

تعتقد هذه الحكومة وخصوصاً من زاوية رؤية نتنياهو أن الوضع الاقليمي مناسب للغاية لخوض معركة الحسم في القدس، وترى هذه الحكومة ان البلدان العربية والإسلامية هي أعجز من أن تقوم بردة فعل غير "محسوبة" على حسم مسألة القدس.

كما أنها (الحكومة الإسرائيلية) ترى ان الوضع الدولي هو مناسب ايضاً من زاوية أن حسم الأمور فوراً أفضل بالمقياس النسبي من التأخير والتأجيل وذلك بالنظر الى ما يمكن ان تتطور من خلاله المواقف الدولية للسياسات الإسرائيلية بما في ذلك المواقف الأميركية ناهيكم طبعاً عن المواقف الأوروبية والدولية الأخرى.

إذا كان هذا صحيحاً - واغلب الظن أنه صحيح - فإن الحسم في القدس بات بحاجة الى الوسائل التي من خلالها توفر لـ"إسرائيل"  "المبررات" والحجج (الذرائع) التي تستخدمها في هذا الإطار.

أفضل الطرق - كما أرى - وكما أفهم من الخبرة المتراكمة لدينا في عدة مفاصل سابقة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هي افتعال معركة أو أزمة تؤدي الى سرعة استثمار نتائجها او حتى استباق هذه النتائج، بهدف تكريس الوقائع التي هدفت "إسرائيل" دائماً للوصول إليها والتي باتت تستهدفها بصورة مباشرة في هذه المرحلة بالذات.

اذا تمادت "إسرائيل" في ممارساتها في القدس، وخصوصاً استباحة الأقصى، فمن الطبيعي ان تنتظر ردود أفعال متوقعة من قبل أهالي المدينة ومن قبل قطاعات شعبية في الضفة والقطاع وكذلك في الداخل الفلسطيني، وان هي أمعنت باستخدام القتل والعنف فمن الطبيعي ان تستجلب من الجانب الفلسطيني من ردود الأفعال ما هو عنيف وربما مسلح. بهذه الطريقة سيصار الى ارتكاب مجازر صغيرة قد تؤدي الى مذابح كبيرة باعتبارها شكلاً من أشكال الصراع الديني وليس باعتبارها احتلالاً واستيطاناً واستباحة لمقدسات الفلسطينيين وأرضهم وحقوقهم الوطنية، وبذلك - كما تعتقد هذه الحكومة - سيصار الى وضع يؤدي الى الحسم، وتحويل حقوق الفلسطينيين في هذه المدينة من حيث الجوهر الى حقوق "دينية" والى أشكال معينة من "حريات" العبادة وفق الجدول الإسرائيلي ووفق ما تراه مناسباً من حدود هذه الحريات..!!

إذاً، نحن على أبواب معركة حسم في المدينة المقدسة وعلى الشعب الفلسطيني ان يحضر نفسه لمعركة فاصلة قادمة لا محالة لأن هذه الحكومة تعتقد جازمة بأن أوان حسم هذه المعركة هو هذه المرحلة وهذه الأيام تحديداً وقبل ان يتمكن الشعب من استعادة وحدته وإرادته وبرنامجه وخياراته.