Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

عشرات العائلات من فلسطينيي سورية بلا مأوى ضحية لمعايير الـ«أونروا» وقراراتها.. محمود سرحان

عشرات العائلات من فلسطينيي سورية بلا مأوى ضحية لمعايير الـ«أونروا» وقراراتها.. محمود سرحان

  ضربة جديدة وقاسية تلقتها حوالي 1100 عائلة من فلسطينيي سورية الفارين من الجحيم السوري إلى الأراضي اللبنانية، أتتها من جهة تمثل ملجأهم الوحيد، فقد قررت منظمة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين في لبنان «أونروا» قطع مساعداتها المالية المتواضعة لهذه العائلات باعتبارها «غير مؤهلة لها»، وهذا القرار الذي أصدرته في منتصف أيلول (سبتمبر) الفائت في بيروت،

كان وقعه صادماً ومأسوياً على الكثير من العائلات، منها عائلة «أبو مهند» وسط مخيم شاتيلا حيث يسكن مع أسرته المكونة من سبعة أفراد (ولدان وثلاث بنات)، في بيت مستأجر يقتصر على غرفتين ضيقتين لا تراهما الشمس. يقول أبو مهند بصوت مجهد: كانت صدمة كبيرة عندما طرقوا الباب وأبلغوني بنبأ قطع المساعدة، ذهبت للاحتجاج في مكتب الـ«أونروا»، وهناك طلبوا مني تقديم استئناف والانتظار!.

ظروف التهجير والمشاكل الصحية التي يعانيها فضلاً عن ندرة فرص العمل، دفعته للاعتماد على المساعدة المالية التي تقدمها الـ«أونروا»، وهي حوالي 300 دولار أميركي، يذهب منها 250 دولاراً لسداد أجرة المنزل، وهذه المساعدة المالية كانت تقتصر على حل مشكلة أجرة المنزل، وعليه تدبر شؤون قوته اليومي بنفسه، ولكن حالته الصحية المتردية حالت دون قيامه بذلك، مما اُضطر ابنه (16 سنة) لترك المدرسة والعمل لساعات طويلة مقابل أقل من 4 دولارات في اليوم، كما أن ابنته (13 سنة) مهددة هي الأخرى بترك المدرسة بسبب صعوبة تأمين متطلبات متابعتها الدراسة، وجاءت ضربة قطع المساعدة عنه لتحطم ملجأه الأخير وتهدده بالعودة إلى العراء من جديد.

يضيف «أبو مهند» أنه يتوقع «الطرد من البيت في الشهر المقبل» وتابعت زوجته والقلق يساورها «هل سينجح طلب الاستئناف؟»، وعندما لم تسمع جواباً شافياً لهذا السؤال، قالت وهي تحاول منع سقوط الدمعة التي تكورت في إحدى عيناها: «اليرموك محاصر، ومنزلنا مدمر، ولا نملك قوت يومنا، وفوقها قطعوا عنا أجرة البيت، لماذا تفعل الأونروا ذلك بنا»؟

بحسب الرسالة التوضيحية التي سلمتها إليهم «أونروا»، جاء قرارها في قطع المساعدة المالية عنهم، بناءً على «عملية التقييم» التي أجرتها في شهر تموز (يوليو) الفائت، والتي اعتمدت على معايير دولية، تبين خلالها أن هذه العائلات «غير مؤهلة للاستفادة من المساعدة الطارئة» التي تقدمها، وتركت الباب مفتوحاً لتقديم طلبات استئناف خلال ثلاثة أسابيع من تاريخه. بيد أن عملية التقييم التي تحدثت عنها «أونروا» في رسالتها، تبين أنها تمت تحت عنوان «إحصاء» لا أكثر، بهدف الوقوف على الأعداد الحقيقية لفلسطينيي سورية في لبنان، بعد عودة بعضهم إلى سورية أو مغادرتهم إلى بلد آخر، كما شاب العملية الكثير من نقاط الخلل من حيث التضارب وغياب المرونة في تحديد مواعيد اللقاء مع العائلات مما اضطر العديد منهم لمراجعتها أكثر من مرة. ولم يقتصر الأمر عند نجاح «أونروا» في الالتفاف حول الهدف الحقيقي من تلك العملية، فما زال الغموض يكسو «المعايير الدولية» التي اعتمدتها لتحديد المؤهل من غير المؤهل للحصول على المساعدة الطارئة، وعلى مدى أكثر من أسبوعين حاولت «الحياة» الحصول على توضيح من «أونروا» في هذا الشأن، فكان جوابها التأجيل ثم الإهمال. ولكن بإطلاعنا على «أسئلة التقييم» تبين أنها تتطرق إلى مسائل شخصية وحساسة وليست مألوفة لدى فلسطينيي سورية ومن الصعب الإجابة عنها بصدق! وبعضها يحمل في طياته إهانة مبطنة ليس من السهل اكتشافها، وخلاصتها الإقرار أنهم باتوا متسولين كي يحصلوا على المساعدة، كما تتناسى هذه «الأسئلة» ومعدوها أن هؤلاء بالدرجة الأولى «مهجري حرب» ما زالت مشتعلة، وينقصهم كل شيء، ولكن يبدو أن هذه الصفة تسقط عنهم وفق «معايير الأونروا الدولية» إذا تدبر نفسه وتناول قطعة لحمة!، وهذا ما عبّر عنه بغضب ع.ح. أحد المحتجين على القرار قائلاً: «سأنتهي إلى الشارع أنا وعائلتي بعد قطع المساعدة عني، وذنبي في ذلك أني أكلت قطعة لحمة وشربت ماء نظيفة! كما أشارت أم أحمد أن حديثها عن تناول أسرتها لبعض الفواكه كان السبب في قطع المساعدة عنها»، قائلة: «هذه رفاهية غير مقبولة لدى الأونروا».

يؤكد أبو أياد الشعلان مسؤول اللجان الشعبية في مخيمات لبنان وعضو اللجنة المشتركة مع منظمة الأونروا، أن القرار كان مفاجئاً له أيضاً «لقد علمنا به من الشارع ولم نبلغ به رسمياً رغم التنسيق بيننا»، فقد كان من المتوقع أن تصب نتيجة الإحصاء الذي أجرته «أونروا» لمصلحة بقية فلسطينيي سورية المهجرين، بعد انخفاض اعدادهم من 57 ألفاً إلى (44) ألف نازح، وذلك عبر زيادة الدعم المالي المخصص لهم وليس قطعه. ويعتبر الشعلان: «أن المقاييس التي اعتمدت في عملية التقييم لا تصلح في حالة اللاجئ الفلسطيني النازح من سورية. كما أن هذا القرار تتجاوز تداعياته المستوى الإنساني»، ويضيف: «التقينا بمسؤولي الأونروا وقدمنا لهم الكثير من الحالات التي ظُلمت نتيجة قرارها الجائر، كما عَرضنا عليهم ما لدينا من المعطيات حول تداعياته الاقتصادية والأمنية والسياسية في ظل الأوضاع الحساسة التي تمر فيها البلاد، وحملناها مسؤولية العواقب الوخيمة الناجمة عنه. وكانت نتيجة اللقاء بحسب الشعلان الاصطدام بجدار إصرار الأونروا على قرارها واللجوء إلى الاستئناف». وهذه الأخيرة «الاستئناف» هي عبارة عن تكرار عملية التقييم التي أجرتها سابقاً بذات الأسئلة وذات المعايير الغامضة، ولا يُمنح المُستأنِف موعداً محدداً للرد عليه، وهذا يُرجّح كفة الحصول على ذات النتيجة، وخسارتهم المساعدة المالية الشحيحة التي اضطروا لتخصيصها بالكامل لدفع أجرة منازلهم وتأمين قوت يومهم بأنفسهم، وهي بالأصل موزعة كالتالي 100 دولار أميركي بدل إيواء للعائلة، و30 دولار بدل غذاء لكل فرد لشهر كامل.

تتذرع الـ«أونروا» بنقص التمويل من الدول المانحة في اتخاذ قرارها الأخير رغم انخفاض أعداد المستفيدين منها، بيد أن الإلتفاف في هدفها المعلن من الإحصاء، وغياب الشفافية في تعاملها مع الاعلام، فضلاً عن اعتمادها أسئلة مراوغة ومعاييرغير منصفة، من قبيل أن تناول بعض اللحم أو الأرز، أو استخدام «حمام إفرنجي» رفاهية لا تليق بمهجري الحرب الفلسطينيين، الأمر الذي يستوجب بالنسبة اليها قطع المساعدة المالية عنهم، أي أنها بذلك تتعمد افقارهم واغراقهم جميعاً تحت خط الفقر المدقع، وترميهم إلى الشارع بلا مأوى، ويبدو أيضاً، أنها تدفعهم بإصرار نحو قوارب الموت المعروفة أو العودة إلى المواجهة المباشرة معه في سورية، غير عابئة بمصيرهم، كل هذا يُحيلنا إلى السؤال الكبير، هل هذا الأمر مقبول على المستوى الانساني والاخلاقي والوظيفي لدى «أونروا»؟ وفي السياق ذاته، هل يجوز لها قطع المساعدة عن مهجري حرب خسروا فيها كل ما يملكون؟ الشيء الأكيد أن هذا الأمر لم يكن مقبولاً لدى العائلات المتضررة واللجان الشعبية في المخيمات، التي قامت بالعديد من الاعتصامات من أجل مطالبتها بالتراجع عن قرارها الظالم.