Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

العرب بين نصر الأمس وهزائم اليوم.. وفاء صندي

العرب بين نصر الأمس وهزائم اليوم.. وفاء صندي

  في أيام مثل الأيام التي نعيشها هذه من 41 سنة عاش العالم على إيقاع واحدة من أهم الحروب التي وحدت العرب وأعادت لهم الأرض واستطاعت أن تقفز بهم على مستوى العالم إلى المرتبة السادسة من حيث القوة والأهمية بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد السوفيتي وفرنسا وإنجلترا، بعدما فاجأت مصر العالم،

والعرب أيضاً، بشنها الحرب على "إسرائيل"، وما تلقته بعدها من دعم ودور عربي لا يقل أهمية عن دور الجنود المصريين الأبسال الذين وهبوا حياتهم فداءً من أجل الوطن واستطاعوا اجتياز خط بارليف المنيع وتحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.

ففي 1973 قام الرئيس أنور السادات بزيارة سرية للعاصمة السعودية الرياض والتقى بالملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود حيث كشف له السادات عن قرار الحرب على "إسرائيل" إلا أنه لم يخبره عن موعد الحرب مكتفياً بالقول أن الحرب قريبة. وقد طلب السادات خلال اللقاء أن تقوم السعودية ودول الخليج بوقف ضخ البترول للغرب حال نجاح خطة الهجوم المصرية.

وفي يوم 6 أكتوبر 1973 اقتحم الجيش المصري فعلاً قناة السويس في الوقت الذي لم تتوانَ فيه كل الدول العربية من المغرب إلى الخليج في تقديم ما تستطيع من مساعدات سواء كانت مادية أو أسلحة أو خبرات عسكرية لمصر والجبهة السورية. وفي 17 أكتوبر عقد وزراء النفط العرب اجتماعاً في الكويت، تقرر بموجبه خفض إنتاج النفط بواقع %5 شهرياً ورفع أسعار النفط من جانب واحد. وفي 19 أكتوبر طلب الرئيس الأمريكي نيكسون من الكونغرس اعتماد 2.2 مليار دولار كمساعدات عاجلة لـ"إسرائيل"، ورداً على ذلك قامت السعودية والإمارات والجزائر والعراق وليبيا وسلطنة عمان ودول عربية أخرى بإعلان حظر على الصادرات النفطية إلى أمريكا، مما خلق أزمة طاقة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد كشفت وثيقة سرية مسربة من مكتب البحوث الاقتصادية في المخابرات المركزية الأمريكية عن حجم التمويل الذي تلقته كل من مصر وسوريا، من الدول العربية منذ يوم 6 أكتوبر 1973 حتى 23 نوفمبر من العام نفسه، والذي يقدر بنحو 2 إلى 3 مليار دولار. وبروح التلاحم والوحدة نجحت مصر والعرب في غسل نكسة 1967 وتحقيق النصر التاريخي على العدو الإسرائيلي واسترداد السيادة الكاملة على قناة السويس، واسترداد جميع الأراضي في شبه جزيرة سيناء، واسترداد جزء من مرتفعات الجولان السورية.

وفي أيام مثل الأيام التي نعيشها هذه، تغيّر الواقع وتحولت الوحدة العربية إلى خلافات عربية مستمرة، وانتقلت الحرب من حرب عربية – إسرائيلية/ غربية إلى حرب عربية – عربية، ومن صراع وطني يناضل من أجل التحرير واسترجاع الأرض إلى صراع داخلي شرس حول السلطة وفق منطق التحكم أو الأيديولوجية والعصبية القبلية أو حلم عودة الخلافة "المزعوم"ة وفق منطق القتل والتطرف وإنشاء "الدولة الإسلامية". وبعدما كانت أمريكا هي العدو رقم اثنين بعد "إسرائيل" أصبحت اليوم هي المنقذة رقم واحد وعرابة الحرية والديمقراطية في المنطقة العربية، بعدما تأتى لها أن تقود حروباً بمباركة وتحالف ودعم ومال عربي ضد أنظمة وشعوب عربية، واليوم تقول ضد جماعات متطرفة على أراض عربية، يقول الرئيس الأمريكي أنه لن يرسل قوات أمريكية أو من جيوش التحالف لتحاربها في سوريا والعراق، ولكنه يحتاج إلى خمسة عشر ألف مقاتل على الأرض ليحتلوا الأرض التي سيحررها من داعش، وقد بدأ خبراءه بتدريب تلك القوة ورصد لذلك 500 مليون دولار حمل معظمها لشركائه العرب، لتكون الحرب البرية عربية – عربية بعدما أقنعت أمريكا المنقذة العرب والمسلمين بضرورة أن يقاتلوا عرباً ومسلمين من بني وطنهم وجلدتهم ولا يهم من يفوز بالنهاية المهم أن يقضوا على بعضهم وأن يدمروا ما تبقى من أراضيهم.

فماذا تغيّر بين الأمس واليوم؟ لماذا انتهى حلم الوحدة التي قادت إلى نصر أكتوبر؟ ولماذا أصبح الأخ عدواً والعدو صديقاً؟ ولماذا تحوّل التحالف من أجل استرجاع الأرض المغتصبة إلى تحالف من أجل تقسيم ما تبقى منها وتفتيت الوحدة وتشتيت الشمل وتضييع القضية بعدما أصبحت أمريكا وأخواتها صديقة لعرب باتوا يضيقون ببعضهم بعضاً ويتأمرون من أجل إسقاطهم. ونجحت في التلوّن بأن تكون في نفس الوقت مع السنّة ضد الشيعة، ومع الشيعة ضد السنّة، ومع العرب ضد الأكراد ومع الأكراد ضد العرب، ومع الإسلاميين ضد الليبراليين ومع الليبراليين ضد الإسلاميين، ومع الأنظمة ضد الشعوب ومع الشعوب ضد الأنظمة.. والحقيقة أنها ليست سوا مع مصالحها ومصالح من تحمي أمنها في المنطقة ولن تتأتى هذه المصالح إلا بإضعاف الضعيف وتقسيم المقسّم حتى نتحوّل من دول قادت حرباً وانتصرت فيها بعدما وحدها الهدف، إلى مجموعة دويلات لا تستطيع حتى حماية نفسها وحدودها بعدما تركت الهدف والقيمة وجرت خلف السلطة والمذهبية والرغبة في السيطرة.

أمريكا والغرب أدركوا حقيقة العرب شعوباً وحكاماً ممن لا يمكنهم الخروج عن موروثهم التاريخي وتراثهم الثقافي المبني على الطائفية والمذهبية والأصولية ورفض الآخر، وغير القادرين على التنازل عن السلطة من أجل تفعيل الديمقراطية أو حقن الدماء أو الارتقاء بالأوطان، وهي الأشياء التي يكرسها بالأساس تطرف بعض "علماء الدين" الذين يقومون بالترويج لمختلف أساليب "العنف الطائفي"، ويقومون بالدعوة للكراهية ودعوة أتباعهم لارتكاب المذابح بدعوى "نصرة الله" أو "نصرة الحاكم الذي يطبق شرع الله"، والنتيجة هي ما يشهده الواقع العربي اليوم من نزاعات وصراعات تستنزف جسد الأمة وتعطي فرصة للآخر من أجل التدخل فيها وتفتيتها بعد نهب ثرواتها وإعادة رسم جغرافيتها.

بعدما اتحد العرب بالأمس من أجل دعم الجبهة السورية في حربها ضد "إسرائيل"، ها هم يتحدون اليوم ولكن هذه المرة ضد سوريا، بعدما اختاروا للصراع السياسي العنف كوسيلة لتدبير الاختلافات والخلافات، حيث يقوم الأمريكي بمساعدة الدعم الاستخباراتي الإسرائيلي والمباركة والتمويل المادي العربي بقصف القنابل والصواريخ وحث المسلمين على القتال فيما بينهم ونشر الفوضى والخراب والموت، وبعد انتهائه من سوريا والعراق سينقض على ما تبقى في المنطقة المهددة بشبح “داعش” والإرهاب ليخوض حربه العالمية ضدها ليخلصها ويخلص عليها بقيادة أمريكية – غربية وتنفيذ عربي - مسلم.

وصدق من قال، المسلمون هذا العام لن ينحروا أضحيات فهم مشغولون بذبح بعضهم البعض.. فكل عيد نصر والعرب في مجرد ذكرى انتهى زمانها وتوقيتها، وكل عيد نحر وهم للنحر صانعون..