بعد واحد وخمسين يوماً من العدوان على غزة، والدمار الكبير الذي ألحقته الآلة العسكرية الإسرائيلية بكافة مناحي الحياة، والتكلفة الاقتصادية الباهظة التي لحقت بكافة القطاعات الاقتصادية، تبرز أسئلة حول أهمية وضرورة تهيئة الظروف لإعادة إعمار غزة.
وفي هذا السياق أكد مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) سمير عبد الله حجم الخسائر الناتجة عن العدوان والحصار بأنها كبيرة، حيث وصلت قيمة الخسائر المتراكمة التي خلفها العدوان إلى ثلاثة مليارات دولار على الأقل، فيما ستكون تكلفة إعادة الإعمار أكثر بكثير من الخسائر.
وقد جاء ذلك على هامش جلسة، عُقدت برام الله يوم الأربعاء 3-9-2014، جمعت خبراء ومختصين ناقشوا خلالها تحديات إعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي لقطاع غزة إثر العدوان الإسرائيلي الأخير. وأضاف عبد الله بأن سنوات الحصار السبع أدت لتوقف 75% من الشركات والمصانع، لذا فإن إعادة إنعاش الاقتصاد تحتاج لتكاليف باهظة. وأكد أن نجاح عملية الإعمار يعتمد على فك الحصار بصورة كاملة، وإدخال جميع السلع والطاقات والمعدات اللازمة للإعمار، وإنشاء هيئة وقدرة إدارية فلسطينية قوية لإدارة هذه العملية، إضافة لتوفر الأموال الكافية لذلك، وفي حال توفر هذه الشروط سيتم إنجاز عملية الإعمار في مدة خمسة أعوام، لكن إذا غاب أحد هذه الشروط ستتأخر العملية، وفق عبد الله.
من جانبه، قال وزير العمل مأمون أبو شهلا، إن العدوان على قطاع غزة غيّر من أولويات الحكومة التي كانت تستعد للتجهز لإنهاء آثار الانقسام والتحضير للانتخابات، حيث أن تدمير المنشآت زاد من مسؤولياتها. وقال «إن الحكومة شكلت لجنة من سبعة وزراء لإغاثة القطاع بشكل سريع، حيث قدمت مبلغ 300 شيقل لعشرة آلاف مواطن، إلا أن العدد تضاعف حتى وصل إلى 400 ألف مواطن نازح، أصبحوا بحاجة لمساعدات عاجلة».
بشكل عام يتركز الحديث بعد وقف إطلاق النار على إعادة إعمار غزة وإيواء المشردين، فضلاً عن تأهيل البنية التحتية وإعادة بناء المرافق العامة والحكومية. وفوق ذلك، فإن التحدي الأبرز هو استقبال العام الدراسي الجديد على وقع عشرات المدارس المدمرة كلياً أو جزئياً، وأخرى فيها عشرات آلاف النازحين.
واللافت أن عملية التدمير كانت واسعة للمنازل، حيث أشارت إحصائية شبه نهائية إلى أن مجموع المنازل المهدمة 16002، منها 2358 منزلاً دمرت بشكل كلي، و13644 بصورة جزئية تحتاج إلى ترميم واضح، إضافة إلى آلاف المنازل التي لحقت بها أضرار بسيطة، فيما عدد المساجد المستهدفة 169، دُمّر 61 منها كلياً، وبجانب ذلك أربعة أبراج سكنية كبيرة، وهو عدد فاق خسائر الحربين الماضيتين في عام 2008 و2012.
ويؤكد متابعون بأن أكثر الأحياء التي دمرت «المنصورة» في الشجاعية، فقد هدمت فيه مئات المنازل، ويقول أهالي الحي إن معالمه كلها تغيرت، لدرجة أن أهله تعرفوا على بيوتهم بصعوبة.
في هذا السياق، يقول المهندس محمد درويش، وهو من نقابة المهندسين في غزة، إن بعض الأحياء صارت لا تصلح للسكن «لأنها بحاجة إلى مدة زمنية قد تستغرق عاماً بدءاً من إزالة الركام، ثم إعادة الإعمار إن جرى العمل بسرعة». ويوضح درويش أن إصلاح البنية التحتية «هو الآخر مسألة مكلفة، وبحاجة إلى وقت قد يتجاوز السنة».
وتبعاً للقصف المبرمج من قبل الجيش الإسرائيلي الذي طال بشكل أساسي منازل المدنيين والبنى التحتية في قطاع غزة، قدرت تقارير دولية الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بقطاع غزة بنحو 3 مليارات و460 مليون دولار، نتيجة استهداف 324 مصلحة تجارية وصناعية. وقد دفعت تلك السياسة الإسرائيلية في التدمير والقتل عدداً كبيراً من سكان غزة للبقاء في مناطق النزوح التي لجأوا إليها، علماً أن عددهم وصل إلى نصف مليون (462,090) غالبيتهم توزعوا على 90 ملجأً تابعة للأمم المتحدة، وهم بذلك يمثلون نحو 27% من سكان القطاع في عام 2014.
وثمة مخاطر جسيمة ألحقت بقطاع التعليم في قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير، حيث قدّر فريق هندسي في المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار «بكدار» حجم الخسائر في قطاع التعليم «العام الحكومي والعالي» جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بأكثر من 22 مليون دولار أميركي.
جاء ذلك في تقرير أعدته لجنة متابعة وحصر الدمار المكونة من مهندسي «بكدار» فرع غزة اليوم الثلاثاء، حيث قدرت خسائر حصة المدارس الحكومية بنحو 12 مليون دولار أميركي، والجامعات بـ10 ملايين دولار أميركي.
وقال مدير الفرع محمد النجار «إن الدمار طال 142 مدرسة حكومية، منها 23 تضررت بشكل بالغ بحيث لم تعد تصلح للاستخدام خلال العام الدراسي الحالي 2014-2015، مقدراً تكلفة إعادة إعمارها بـ8 ملايين دولار أميركي»، مشيراً إلى أن حوالى 119 مدرسة أخرى تضررت بشكل جزئي بحيث يمكن استخدامها خلال هذا العام الدراسي في حال تم ترميمها بأسرع وقت ممكن، مقدراً قيمة إعادة إعمارها بـ4 ملايين دولار أميركي.
وجاء في التقرير أن خسائر قطاع التعليم العالي تصل إلى حوالى 10 ملايين دولار، وتتوزع بين ثلاثة جامعات، وهي: جامعة الأزهر والتي تضررت 3 مبانٍ تابعة لها، إحداها بشكل كامل، وقدرت خسائرها بـ3 ملايين دولار أميركي، والجامعة الإسلامية التي تضرر فيها مبنيين اثنين بتكلفة تقدر بـ4.5 مليون دولار، والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية التي تم تدمير بعض قاعات الدراسة فيها، والمختبرات العلمية والمكتبة المركزية، ومركز الحاسوب، ومولدات الكهرباء وقُدرت قيمة الأضرار بـ2.5 مليوني دولار.
وحذر من العجز الذي ستواجهه المدارس الحكومية حال بدء العام الدراسي في استيعاب الطلبة ممن دمرت مدارسهم، ويقدرون بـ25 ألف طالب، لافتاً إلى معاناة مدارس القطاع أصلاً من الاكتظاظ واعتمادها على نظام الفترتين الدراسيتين كحل لنقص المدارس نتيجة للحصار.
ويوصي التقرير باستحداث فترة جديدة ليصبح التدريس على ثلاث فترات «صباحاً وظهراً ومساء» كحل مؤقت لاستيعاب من دمرت مدارسهم، ولإيجاد حل دائم يشدد على ضرورة إدخال جميع مواد البناء اللازمة حتى يتم إصلاح المدارس التي دمرت جزئياً بشكل بالغ أو بسيط، ولبناء مدارس جديدة لاستيعاب النمو السكاني الطبيعي في القطاع.
ويوضح أنه كنتيجة لدمار بعض الكليات في الجامعات، سيحرم مئات الطلبة من استكمال تعليمهم العالي بشكل طبيعي، خصوصاً طلبة الكليات التي دُمرت بشكل كامل ككلية الزراعة بجامعة الأزهر، مشيراً إلى أهمية الإسراع بمباشرة إعادة الإعمار وإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، لمواجهة العقبات التي سببها العدوان لقطاع التعليم.
وتبقى الإشارة إلى أنه بعد التقديرات المختلفة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بات من الضرورة بمكان تبني خطاب موحد لكافة فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، لجهة أولوية إعادة إعمار قطاع غزة، وهذا يتطلب تركيز الجهود لإنجاح عمل حكومة الوفاق الفلسطينية التي كانت أولى ثمار إنهاء الانقسام الفلسطيني، حيث أعلن بعض وزرائها، أنها باشرت في رصد الخسائر ومستعدة لإعادة الإعمار، كما أكدوا أن الحكومة ستعمل جاهدة على تعويض جزء من أصحاب المنازل مع خيم ومنازل مؤقتة حتى إنهاء معاناتهم قبل دخول فصل الشتاء.
ولدعم التوجهات في إعادة إعمار قطاع غزة، لا بد من تهيئة الظروف لرصد المبالغ الكافية والتي تقدر بنحو 15 مليار دولار، ويمكن الاعتماد في ذلك على صناديق التمويل العربية وعددها ستة صناديق، أهمها صندوق النقد العربي، ناهيك عن المساعدات الدولية التي تعهدت بها بعض الدول في العالم.