حتى اللحظة، لا يزال نص اتفاقية الهدنة بين "إسرائيل" وفلسطين، مفتقداً كل ما قيل حول الاتفاقية، هو أشبه ما يكون بالتسريبات الإعلامية، آخر التصريحات شبه الرسمية من مصادر مصرية وأخرى فلسطينية.
افتقاد هكذا نص، يعني حكماً، غياب المحددات، لتنفيذ خطى عملية، أكان بشأن فتح المعابر، أو الموقف الإسرائيلي من إعادة فتح المطار، أو الشروع في إقامة الميناء.
من يتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية، يلمس بوضوح، بأن ما أعلن حول الهدنة، هو عناوين عريضة لتفاهمات فلسطينية - إسرائيلية، برعاية مصر، وبأن لا ضمانات إطلاقاً لتنفيذها، وبأن "إسرائيل" غير ملزمة بأي اتفاق مكتوب ومعلن. إذن ما الذي حصل، ما يقوله الإسرائيليون، من رسميين وشبه رسميين، بأن هناك تهدئة مقابل تهدئة، وبأن لا التزامات موثقة، مكتوبة ومعلنة، من شأنها إلزام "إسرائيل"، بتنفيذ خطى محددة.
من شأن ذلك، أن يقودنا للقول، بأن الاحتمالات لا تزال مفتوحة، على اتجاهات شتى، ولعل أهم وأبرز تلك الاحتمالات العودة إلى الحرب، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى!!
صحيح أن حجم الدمار في قطاع غزة، وبأن إعادة البناء وإيواء عشرات الآلاف من العائلات سيحتاج الى ما يزيد على ستة مليارات دولار، وإلى وقت لا يقل عن ستة عشر شهراً، في حال توافرت مواد البناء من إسمنت وحديد وغيره.
"إسرائيل" تتحفز إلى عدوان قادم، وهو احتمال لا يزال مطروحاً أمام الحكومة الإسرائيلية، وهنالك تحفز الولايات المتحدة، المساعدة، بل والمشاركة في هكذا حرب قذرة، تحت لافتة محاربة داعش، والتيارات الإسلامية الداعمة لها.
هنالك احتمالات، توقعات، تسريبات، حول إمكانية استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية للتوصل إلى تهدئة، وإلى نص مكتوب وواضح، يتضمن بنود وجداول تنفيذ تلك الهدنة.. نص واضح وجلي ولا يترك فرصة لا للتأويلات ولا للاجتهادات... عند هذه النقطة، ستعود نقاط التباعد ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين للبروز والظهور، بجلاء ووضوح، وستعود احتمالات عودة العنف والاشتباك المسلح من جديد، وهو أمر غير مستبعد او مستثنى على أية حال.
حقيقة ما هو قائم الآن، هو تهدئة مقابل تهدئة، ليس إلاّ.
الوضع الفلسطيني، برمته، لا يزال تحت الاختبار، الجدي والمصيري، في حال بقاء الحالة الفلسطينية القيادية، متوحدة ومتوائمة حول نقاط محددة، فهذا سيعطي للفلسطينيين فرصة ذهبية للتحرك الموحد، وتحديد البرامج المحددة، لتحرك واسع، دولي وإقليمي في آن.
ما تركته الحرب الأخيرة على غزة، طرح إعادة القضية الفلسطينية برمتها، على بساط البحث الدولي. ما حدث في غزة، هو جزء من أوجه القضية، وهو ليس بقضية منفصلة عن لوحة القضية الفلسطينية بكافة تلاوينها وأبعادها.
في حال بقاء اللحمة الداخلية الفلسطينية على حالة التوافق، ونبذ العودة لحالة الانفصال والانشقاق الداخلي، سيكون الباب مفتوحا على مصراعيه لاستكمال خطى التوافق وتجاوز حالة الانشقاق، وبالتالي ستكون الفرصة قائمة، للتوافق حول نقاط سياسية مركزية لتحرك دولي وإقليمي مُثمر وناجح.