هذا هو حال الضفة الغربية؛ فكل يوم لها موعد مع اقتحام قوات الجيش لكافة مخيماتها ومدنها وقراها؛ لاعتقال ما يسميهم الاحتلال بالمطلوبين في أعمال مقاومة ضد المستوطنين وجيش الاحتلال؛
حيث لوحظ ازدياد كبير في اعتداءات الاحتلال بعد فشل "بنيامين نتنياهو" في حربه العدوانية على غزة، وانتصار المقاومة الباهر؛ وكأنه يريد الانتقام من هزيمته النكراء؛ بالتصعيد في الضفة.
حادثة القتل بدم بارد واستشهاد الشاب عيسى سالم القطري (21 عاماً) برصاص جيش الاحتلال في مخيم الأمعري بمدينة رام الله ليست بالجديدة؛ فقد سبقه عشرات الشهداء خلال قيام قوات الاحتلال باقتحام مخيمات ومدن وقرى الضفة.
في كل اقتحام مع ساعات الفجر الأولى يسقط شهداء وجرحى ويتم اعتقال العشرات يومياً خلال الاقتحامات أو خلال عمليات التفتيش على حواجز الاحتلال، أو عبر الحواجز الطيارة والمتنقلة والتي توضع فجأة على الطرق وترفع فجأة؛ ولا يعرف موعد لها.
شهيد تلو شهيد؛ الشهيد الأسير رائد الجعبري؛ تبعه الشهيد القطري؛ هذا لسان حال الضفة؛ فوضع الضفة الغربية يرثى له؛ فالاحتلال تنكر لكل الاتفاقيات قبل أن يجف حبرها؛ و"نتنياهو" يعمل بنظرية البقاء للأقوى، ولا مكان في معادلته للضعفاء، ولا للحقوق ولا لذرف الدموع، ولن يعطي بالمجان وبدون مقابل، وهو لا يرأس جمعية خيرية؛ بل دولة بطش وإرهاب.
تصول وتجول مركبات الاحتلال في مختلف مدن ومخيمات الضفة الغربية متى أرادت وكيفما شاءت؛ ومقارنة بغزة فإن مركبات ودبابات الاحتلال لا تستطيع أن تتوغل أو تقتحم غزة ولو متراً واحداً؛ حيث أن المقاومة لها بالمرصاد؛ تفجرها وتذرها قاعاً صفصفا.
لا يمكن للضفة الغربية أن تتخلص من وجعها؛ ولا يمكن لنهج التفاوض المتعثر أن يحقق أي تقدم في المكانة السياسية؛ بل ما يحصل هو تراجع على تراجع؛ والتقدم والإنجاز السياسي حصل ويحصل فقط عبر المقاومة بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء؛ وهو ما يحقق الأمن والأمان والردع المتبادل.
وزير خارجية الاحتلال "أفيغدور ليبرمان" يقر بتقدم المكانة السياسية لحركة "حماس" عبر المقاومة حيث يقول: "قوة حماس تتعزز بعد كل معركة؛ وإن هذه هي المعركة الثالثة مع حماس، وبعد جميع هذه المعارك حافظت حماس على بقائها؛ حيث تظهر الاستطلاعات تحوّل حماس إلى الجسم الأكثر شعبية بين الفلسطينيين، ولو جرت انتخابات هذه الأيام فإن إسماعيل هنية سوف يحظى بـ66٪ من أصوات الناخبين".
في جميع الأحوال ما يحصل في الضفة من وجع لا يتوقف من قتل واعتقالات ومصادرات وإذلال على الحواجز؛ سببه الأول والأخير هو الاحتلال ولو خرج الاحتلال لما وجد كل هذا الوجع والألم.
غريب الإصرار على نهج التفاوض بعد فشله بسبب الاحتلال طيلة 20 عاماً؛ وليس بسبب الفلسطينيين؛ والمقاومة التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من جنوب لبنان والانسحاب من غزة، والمقاومة التي صمدت طيلة 51 يوماً من قصف القنابل المحرمة دولياً؛ هي الجديرة بالتحرير وطرد الاحتلال وليس غيرها؛ نحو تحقيق أماني الشعب الفلسطيني بالحرية والدولة والعيش بكرامة وعزة كبقية شعوب العالم.
سيكتب التاريخ يوماً ما عن مقاومة بسيطة؛ لكنها قوية بإيمانها وعقيدتها القتالية؛ استطاعت أن تدحر الاحتلال وتحرر غزة، ولاحقاً كل فلسطين؛ ووقتها كل المجد والفخار لمن ركب في سفينة النصر، ولمن استبدل مقعده وخرج من سفينة الهزيمة وحجز له مقعداً في سفينة النصر سراعاً؛ وفاز في الدنيا والآخرة.
الوقت يمضي بسرعة، والزمن لا يلتفت لمن عقبوا في الخلف؛ والخسارة من الطبيعي أن تكون من نصيب من لم يلحقوا أنفسهم؛ ولم يسارعوا بحجز مقعد صدق لهم عند مليك مقتدر، فكل شيء عند الله بمقدار؛ ومقدار من هانت عليه عيشته، ورضي بالهوان معروف ومعلوم، ولا حاجة للتذكير بمقداره ومصيره المحتوم.