بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي إعداد ملفاته، لما بعد التوصل إلى هدنة طويلة مع الجانب الفلسطيني، أهم هذه الملفات، ملفان مترابطان أحدهما يتعلق بالتحقيقات التي من المرجح أن تعقد للنظر في أسباب فشله في المواجهات مع المقاومة الفلسطينية،
وثانيهما يتعلق بملف الابتزاز، أي ملف المطالبة بزيادة ميزانيات جيش الاحتلال، الملفان مترابطان، كون ملف الميزانية، سيشكل أحد أهم أركان ردود جيش الاحتلال على الاتهام بالفشل بالقول إنه لم يتمكن من تحسين أدائه، بالتدريب وبالتسليح بسبب عدم الموافقة على الميزانيات التي طلبها، معركة الميزانية هي إحدى أهم المعارك على ملف "التقصير والفشل".
كان جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووفقاً لما نشرته وسائل الإعلام، قد قام بإعداد سيناريوهات مسبقة للحروب القادمة التي من الممكن أن يديرها، ومن بين هذه التدريبات وفقاً لهذه السيناريوهات، اضطرار جيش الاحتلال لخوض حرب على جبهتين في وقت واحد، لقطاع غزة وجنوب لبنان مثلا، أو إيران وجنوب لبنان، لكن حربه الأخيرة على قطاع غزة، أثبتت فشله فشلاً تاماً، على جبهة واحدة فقط، رغم كل استعداداته وتدريباته وزيادة قدراته التسليحية.
بعد حرب "إسرائيل" على لبنان عام 2006، تذرع الجيش الإسرائيلي بميزانيته المحدودة لتبرير فشله في حسم الحرب تماماً لصالحه، ومنذ ذلك الوقت، تزايدت قيمة ميزانيات جيش الاحتلال كل عام، على حساب ميزانيات التعليم والصحة والبنية التحتية، باستثناء البناء الاستيطاني، كما أوقف الجيش الإسرائيلي المناقشات التي بدأت في الكنيست بهدف تقصير فترة الخدمة العسكرية للاحتياط، والآن بعد الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، بات من المؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيطالب بميزانية كبيرة، لسد نفقات هذه الحرب من ناحية، وللاستعداد لحروب قادمة.
استنزفت الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، القدرة النارية الهائلة التي حظي بها، نظراً لافتقاره إلى المعلومات الاستخبارية الدقيقة المتعلقة "ببنك الأهداف" الأمر الذي فرض نفسه على أن يبعثر نيرانه على غير هدى وبشكل مكثف "عسى ولعلّ" أن تصيب بعض القذائف، بهدف حقيقي، غير أن الضحايا من المدنيين الذين سقطوا بسبب القصف العشوائي، أشار إلى أن الجيش الإسرائيلي رغم هذه الخطة الجهنمية، لم يفلح في ضرب الأهداف الحقيقية للمقاومة الفلسطينية، وبالإضافة إلى أن ذلك يشكل خللاً في المعلومات الاستخبارية، فإنه أيضاً فضح مدى تمتع جيش الاحتلال بأخلاقيات الحرب المتعارف عليها.
الكاتب عاموس هرئيل، يكشف في مقالة له في "هآرتس" (12-8-2014) أن الجيش الإسرائيلي اضطر إلى الطلب بفتح مخازن الطوارئ الأميركية الموجودة في "إسرائيل" لكي يستخدمها في حربه هذه، فإذا كان الجيش الإسرائيلي مستعداً لخوض حربين في وقت واحد، فإن حرباً واحدة لم تنته بعد، أفرغت مخازنه من الأسلحة والذخائر، وهو دليل على جموح عملية القصف البري والبحري والجوي بدون حساب وبدون أخلاق، الأمر الذي أدى إلى هذا العدد الهائل من الشهداء والجرحى والنازحين في الجانب الفلسطيني من دون أن يتمكن جيش الاحتلال من حسم المعركة لصالحه كما بات مؤكداً حتى الآن؟!
ومن المتوقع أن يطالب جيش الاحتلال بميزانية إنقاذ تبلغ 18 مليار شيكل سبعة منها لتغطية حربه الثالثة على قطاع غزة، والباقي في إطار ميزانية العام القادم 2015، هذه الميزانية وجدت اعتراضات مبكرة من قبل مستويات عديدة، أشارت إلى أن جيش الاحتلال يحاول مجدداً ابتزاز الحكومة لمزيد من الميزانيات، إحدى هذه الاعتراضات أشارت إلى أن رئيس الأركان أشار إلى أن التهديدات باتت أقل، بعد "نجاح" جيش الاحتلال بتقليصها، ودعواه بأن المقاومة الفلسطينية قد خسرت الكثير من قدراتها العملياتية، في الأفراد كما في السلاح، والسؤال حسب هؤلاء، إذا كان الأمر كذلك فإننا لن نواجه تهديدات حقيقية تستوجب الاستجابة لطلب هذه الميزانية الهائلة، علماً أن الميزانية الحالية تبلغ 60 مليار شيكل وإذا أضيف لها 11 مليار شيكل، فإن ذلك سيكون على حساب بنود البنية التحتية والرفاه، علماً أن الميزانية الحالية هي أكبر من ميزانيات الدول العربية المحيطة بـ"إسرائيل" مجتمعة!!
في حال التوصل إلى هدنة حقيقية، فإن الجيش الإسرائيلي وبدعم من وزارة الحرب، سيخوض معارك طاحنة للحصول على ميزانيات إضافية، ليس فقط لسد الفجوة بين احتياجاته وقدراته الحالية، ولكن في سبيل تبرير هزيمته وعدم قدرته على حسم الحرب ونتائجها لصالحه، معركة ابتزاز جديدة، كانت دائماً موضع شكوك لدى المستويات السياسية والحزبية في "إسرائيل"، إلاّ أن هذا الجيش المدلل، سيحصل في الغالب على معظم طلباته، فالدولة العبرية ما هي إلا أداة من أدواته، جيش له دولة وليست دولة لها جيش، مع أن الحرب الثالثة على قطاع غزة، من المفترض أن تنسف كل الثوابت الإسرائيلية، بما فيها هذه المقولة!!