يأتي هذا العيد في ظل حرب عدوانية همجية يشنها الإحتلال الصهيوني على شعبنا واهلنا في قطاع غزة.. عيد سقط فيه مئات الضحايا من الشهداء أطفالاً ونساءاً وشيوخاً ومقاتلين ومقاومين حتى الصحفيين والمسعفين والأطباء لم ينجو من القصف والموت.. والآلاف من الجرحى ومثلهم من المنازل المدمرة،
حتى المساجد والمشافى ومدارس الأمم المتحدة لن تنجو من القصف والقتل.. في أبشع مجازر ترتكب في العصر الحديث وبمباركة ومشاركة وتواطؤ من رأس المؤسسة الدولية، التي تفترض أن تكون في مقدمة من تدين العدوان وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والمدنيين، وكذلك هم من يتشدقون بقيم ومبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن الشرعية الدولية ومواثيقها واتفاقياتها، وكذلك فعلت فعلهم وحذت حذوهم عربان ومشيخات النفط والكاز المنهارة قياداتها الفاقدة لكرامتها ولقرارها السياسي، ومن هم يختزلون القضية الفلسطينية والمقاومة في خلافاتهم مع حركة "حماس" بـ"حماس" ووضعهم الداخلي.
ورغم كل الألم والحزن في هذا العيد.. لكنه ولأول مرة في تاريخنا بطعم النصر والحرية.. نعم غزة انتصرت بصمودها وبمقاومتها وبإلتحام شعبها مع مقاومتها وبوحدتها الميدانية.. وكذلك هي انتصرت بإسناد كل جماهير شعبنا في القدس أولاَ، شعلة الإنتفاضات دائماً وصانعة الحدث هي والداخل الفلسطيني الذي راهن العدو بأنه قد استطاع اسرلتهم وتهويدهم وإخراجهم من دائرة الفعل والحركة الوطنية، وليكتشف أنهم رأس الحربة في الدعم والإسناد والمقاومة.. فهم صنعوا الحدث بإمتياز وعن جدارة واستحقاق، وهم أوصلوا رسالة ليس للعدو فقط.. بل للمنهارين والمتخاذلين والقائلين بثقافة النعاج واستدخال الهزائم بأنهم عرب فلسطنيون أقحاح منتمين لقضيتهم ولوطنهم ولعروبتهم.. وكذلك هم أهلنا وشعبنا في الضفة الغربية.. وقفوا ليقولوا آن الأوان لإسقاط التنسيق الأمني.. آن الآوان لكنس مشروع أوسلو الذي دمّر شعبنا وقيمنا ونسيجنا المجتمعي.. وقتل فينا روح المقاومة والعزة والنخوة.. آن الأوان لمغادرة نهج المفاوضات العبثية التي جعلتنا فقط ندور كحمير الساقية حول أنفسنا.. مفاوضات عمقت جراحنا وأزمتنا وإنقسامنا وزادت من ضعفنا.. وكانت مظلة وغطاءًا للعدو لكي يستكمل خططه ومشاريعه في زرع وتكثيف الإستيطان على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية.
نعم شعب يشعر بالعزة والفخر وترد له كرامته.. فرغم كل الألم والحزن على شهداء مجزرة الشجاعية.. وجدنا أهالي الشهداء يحتفلون بأسر المقاومة لجندي من جنود الإحتلال ويوزعون الحلوى ومنهم من فقد عائلة بأكملها، هذا هو شعب الجبارين، شعب أبا علي إياد "نموت واقفين ولن نركع".. وما أنجزته المقاومة في غزة وانتفاضة شعبنا في القدس والداخل والضفة لم تنجح المفاوضات العبثية في إنجازه خلال عشرين عاماً، بل هي أذلتنا ومرغت في كرامتنا الأرض وأصبح المناضل يشعر بإغتراب في وطنه ويعيش حالة من القهر الداخلي.. يتلقى الصفعة تلو الصفعة وغير قادر على الرد.. إحتلال يستبيح كل شبر وزقة وزاوية في أرضنا، يغتال، يعتقل، يدمر، يهدم ويغلق ومطلوب منا عدم الرد.. مرجل كان يغلي وينبىء أن الانفجار قادم لا محالة.. فكان العدوان على شعبنا الفلسطيني بدايته من الخليل تحت يافطة وذريعة خطف "حماس" ثلاثة مستوطنين وقتلهم، لا زالت قضية اختفائهم وقتلهم مريبة، إستغلها الإحتلال لكي يشن عدوانه على قوى المقاومة في الضفة الغربية، ليس هدفها أمني فقط إعادة المستوطنين المخطوفين، بل فرض مشروع سياسي على شعبنا بعد ان يتم تطويع وكسر إرادة المقاومة، وكان واضحاً بأن ذلك يتطلب كسر وتصفية قوى المقاومة الفلسطينية واجنحتها العسكرية، حتى يستطيع المخطط والمشروع السياسي ان يمرا، معتقداً الإحتلال ومتوهماً بان ما يتعرض له شعبنا هناك ومقاومته من حصار، قد أضعف من المقاومة، وهي ليست قادرة على الصمود والمواجهة، ولكن العدو وجد انه دخل في مستنقع، وأن لديه فشل استخباراتي وعسكري كبيرين، حيث أن قدرات المقاومة العسكرية شهدت تطوراً نوعياً، ليس فقط على صعيد خلق معادلة توازن الرعب من خلال الصواريخ التي طالت معظم مدن العدو في الداخل الفلسطيني، وما نتج عنها من خلخلة وتآكل في جبهة العدو الداخلية، حيث الهلع والخوف من صواريخ المقاومة، ووقوع اكثر من ثلاثة ملايين مستوطن ومحتل في مرمى الصواريخ الفلسطينية وبقائهم في الملاجىء، وأبعد من ذلك فلم تعد غزة هي المحاصرة، بل المقاومة أصبحت قادرة على محاصرة دولة الإحتلال من خلال شل حركة مطار اللد، وما نتج عن ذلك من خسائر اقتصادية كبيرة للعدو، وخصوصاً في قطاع السياحة والفندقة والمطاعم وغيرها، ناهيك عن التخبط والخلاف والإتهامات على المستويين السياسي والعسكري، ويضاف الى ذلك الكفاءة العالية للمقاومين الفلسطينيين، وقدرتهم على تنفيذ عمليات نوعية خارج حدود قطاع غزة، وليصل الأمر حد إطلاق طائرات بدون طيار.
والإحتلال الذي كان دائماً يمارس عدوانه ويفرض شروطه، في هذا العدوان فقد هذه الميزة، حيث أن من يمسك بالدفة هو المقاومة التي رفضت التهدئة إلا بشروطها، مما زاد من غضب الإحتلال وتخبطه، ولجأ إلى ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر بحق المدنيين مستهدفاً مدرسة لـ"الأنروا" احتمى فيها المدنيون من أجل الضغط على المقاومة للقبول بالتهدئة، ولكن الجماهير وأهالي الشهداء والجرحى والمهدمة بيوتهم يقولون بصوت واحد، لا تهدئة بدون شروط المقاومة، ولا تهدئة بدون رفع الحصار عن قطاع غزة.
نعم.. عيد يحمل بشائر النصر، ولأول مرة أشعر بنشوة النصر وبأن شعبنا يقترب من تحقيق اهدافه والإنعتاق من الإحتلال، وما حدث في قطاع غزة إنجاز ونصر بإمتياز يبني عليه مستقبلاً، وسيغير في الكثير من المعادلات والتحالفات، وإبداع المقاومة وصمودها علم يجب ان يدرس لكل حركات التحرر والثوريين في العالم، ليس على الصعيد الفلسطيني، بل على الصعيد العربي، وهذا النصر رسالة للعرب العاربة والمستعربة، بأن من يمتلك الإرادة والخيار، قادر على صنع الإنتصار، ومن لا يمتلك لا إرادة ولا قرار، ومهما اقتنى وابتاع من أسلحة متطورة، فهو لن يصنع نصراً، بل مزيداً من الذل والإستجداء، فالصمود والنصر بحاجة إلى ثقة بالذات وإرادة وقرار مستقل ورؤيا واستراتيجية واضحة، ومن يرهن قراره وحمايته للخارج، فلن يكون حراً في يوم من الأيام، بل سيبقى عبداً ذليلاً.
مقاومتنا في القطاع وانتفاضتنا في الضفة والقدس والداخل، رفعت من معنوياتنا حتى أصبحت تعانق السماء، أعادت لشعبنا وبثت فيه روح المقاومة، بعد أن قتلها أوسلو والقائمين عليه عشرين عاماً، حاولوا كي وعي شعبنا وتقزيمه وتطويعه، ولكن ها هو شعبنا يهزمهم ويهزم مشاريعهم، وعيد رغم الحزن والألم بطعم الإنتصار.
* كاتب ومحلل فلسطيني يقيم في مدينة القدس