في الوقت الذي يحيا فيه أطفال العالم بكل براءة وحيوية ونشاط ويمارسون ويلعبون بكل أنواع اللهو واللعب، ويعيشون طفولتهم بحرية؛ تقوم طائرات ومدفعية الاحتلال بقصف أطفال غزة جهاراً نهاراً؛ لتقتل بالصوت والصورة المئات منهم.
لا يجد الأطفال الفلسطينيون في غزة ما يلعبون به، وإن ما وجدوا مكان على شاطئ البحر كما حصل مع الأطفال الأربعة خلال العدوان الحالي على غزة؛ فإن الموت قد يخطفهم قبل وصولهم إلى ألعابهم عبر قصفهم بالطائرات.
لليوم العشرين من العدوان الإجرامي على غزة؛ منظر قتل الأطفال وأشلائهم الممزقة فجعت وهزت أكثر القلوب قساوة وصلابة وأبكتها، فهم أطفال حرموا الحياة بعد أن حرمهم الاحتلال من العيش كبقية أطفال العالم، إلا أن قتلهم أفرح الصهاينة في دولة الاحتلال.
برغم شدة وقساوة منظر جثث الأطفال وهي تحت الأنقاض أو وهي ممزقة على شاطئ البحر أو وهي ملقاة في الطرقات؛ إلا إنها لم تحرك عواطف أفراد عاديين في دولة الاحتلال؛ بل ذهب بعضهم إلى التعبير عن فرحته وبهجته وسعادته بمقتل أطفال بعمر الزهور وجوههم كالقمر، وأخذوا يتبادلون التهاني عبر تدويناتهم المختلفة الـ"فيس بوك"، ويقولون نقص المخربون اثنان وخمسة وعشرة..
في العدوان على غزة عام 2008 قتلت طائرات الاحتلال قرابة 400 طفل، ولم يحرك ذلك شعرة واحدة في جسد قيادات دولة الاحتلال؛ بل راحوا يقولون إن ذلك كان ضرورياً لردع "الإرهاب"؛ فبنظرهم أطفال غزة إرهابيين أو أنهم غداً سيكبرون وينضمون للمقاومة التي بنظر "نتنياهو" إرهاب.
تنشئة الفرد في دولة الاحتلال تقوم على أنه من "شعب الله المختار"، وأن الشعوب الأخرى نساءً وأطفالاً ورجالاً، أقل منهم شأناً وقيمة، ومجرد خدم لهم ، وينظرون للآخرين ولأطفالهم بنظرة ازدراء واستعلاء، ولا باس بقتل أطفالهم والتسلي ذلك.
لا توجد منظومة قيم وأخلاق في دولة الاحتلال وإنما منظومة قتل وإجرام؛ بينما المنظومة الأخلاقية لدى الشعب الفلسطيني عالية جداً، فالمقاومة في غزة وحتى اليوم الـ20 من دفاعها عن شعبها لم تقتل طفلاً آو امرأة بل جنوداً وضباطاً ومع ذلك يصفها "نتنياهو" بالإرهابية ومعه الغرب وأمريكا وصهاينة عرب.
في الوقت الذي يلعب أطفال دولة الاحتلال بكل أنواع الألعاب واللهو، ويعيشون طفولتهم بحرية، ويتم تغذيتهم منذ صغرهم بالكراهية والحقد على العرب والفلسطينيين؛ يتم تعبئة الأطفال الفلسطينيين بعدم قتل إلا من قاتلهم من الجنود، وحتى لا يقطعون شجرة، ويتشربون معاني الإنسانية والرحمة منذ صغرهم.
قد تخرج أصوات من دولة الاحتلال تزعم أن الفرحة بقتل الأطفال لا تمثل الجميع؛ وأن هذا ليس نهجاً وممارسة ومجرد حالة نشاز وحالة اضطرارية؛ ولكن نذكر أن الفرحة نتيجة، ولها ما سبقها من تعذيب الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية وإذلالهم وتعريتهم على الحواجز، وخطفهم من أحضان أمهاتهم وسط البرد القارص، وهو ما وثقته منظمات حقوقية دولية.
مفكري وقادة دولة الاحتلال بحاجة إلى إعادة صياغة لأفكارهم من جديد، فيما يتلاقى مع معاني الإنسانية الرحيمة؛ وليس شريعة الغاب التي تجيز لهم قتل الأطفال في غزة وتعذيبهم وسجنهم في الضفة.
الإنسان السوي يتألم ويحزن عندما يرى الآخرين يتعذبون لأي سبب كان؛ فالأصل أن يحيا الإنسان ويعيش بكل طمأنينة وهدوء، فكيف عندما يرى أطفالاً يحترقون ويقتلون جهاراً نهاراً وبالصوت والصورة وبالبث المباشر؟
من يفرح لمقتل أطفال مهما كانوا، يكون للأسف قد تجرد من إنسانيته وصار وحشاً على شكل إنسان؛ وهو ما يحصل حالياً في قطاع غزة الصامد، ولن يفلت قتلة الأطفال من عقاب الدنيا والآخرة.
* إعلامي فلسطيني يقيم في بلدة سلفيت بالضفة الغربية