التصريحات التي صدرت عن فريق التفاوض الفلسطيني، بأن المارثوان التفاوضي قد وصل الى نهايته، وبأن اسرائيل تستغل ذلك الماراثون العبثي من اجل فرض حقائق ووقائع جديدة،
عبر المضي قدماً في مشاريعها ومخططاتها التهويدية، من خلال تكثيف وزيادة وتائر الإستيطان بشكل جنوني، هي التي دفعت أعضاء الوفد التفاوضي الفلسطيني للإستقالة، والإصرار على ان الماراثون التفاوضي لن يمدد ولو ليوم واحد، ولا جدوى من استمرارية هذا الماراثون العبثي، وعلى ضوء ذلك بدأت القيادة السياسية الإسرائيلية بشن حملة وهجوم تحريضي على الرئيس محمود عباس، متهمة اياه بانه لا يريد السلام، وهو لا يختلف عن الرئيس الراحل الشهيد أبو عمار، سوى في المظهر والملبس، وان وجود سلطته في الضفة الغربية، هو بفضل قوات الإحتلال، ولتبلغ الحملة ذروتها، بتهديد وزيرة العدل الإسرائيلية "تسيبي ليفني" ومسؤولة طاقم اسرائيل التفاوضي للرئيس عباس بأنه سيدفع الثمن غالياً لقاء عدم اعترافه بيهودية اسرائيل، وهذه الحملة استفزت الشارع الفلسطيني، ودفعته للتصدي للحملة الصهيونية المشبوهة والمعادية، ومطالبة الرئيس بالثبات والصمود على الموقف الفلسطيني، برفض خطة كيري واتفاق الإطار، على اعتبار ان ذلك، قد يعيدنا مجدداً الى دهاليز الحلول الإنتقالية.
فأوسلو ما زال ماثلاً امامنا، حيث أن هذا الإتفاق الذي كان مقرراً له ان تنتهي مدته بخمس سنوات، تقود الى إنسحاب اسرائيلي من غالبية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية عليها، فإسرائيل لم تكتف فقط بعدم تطبيق بنود الإتفاق، بل عمدت إلى الدوس على جوهره وتجويفه من محتواه، ولم تبق منه سوى ما يخدم مصالحها التنسيق الأمني والتبعية الإقتصادية، حتى انها بكل عنجهية وصلف اجبرت الطرف الفلسطيني للتفاوض على المتفق عليه، اتفاقية الخليل، والتي فتحها رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نتنياهو.
استبشر شعبنا خيراً، بأن مرحلة العبثية السياسية في طريقها الى التلاشي، وساد شعور لدى جماهير شعبنا الفلسطيني وقواه السياسية، بأن مرحلة سياسية جديدة، قد تفضي الى بناء استراتيجية فلسطينية موحدة، إستراتيجية تقوم على أساس، ما هو الموقف الفلسطيني الذي سيتم بناؤه لمواجهة الضغوط الدولية والإقليمية والعربية، التي ستمارس على الطرف الفلسطيني، بعد فشل العملية التفاوضية، ومن هي الدول التي ستمارس ضغوطاً كبيرة علينا كفلسطينيين، والدول التي ستكون ضغوطها أخف وطأة، وما هي خياراتنا بعد ذلك، كيف سنصعد من فعلنا الكفاحي والشعبي، العلاقة ما بين السلطة والمنظمة، الوحدة الوطنية والمصالحة، هل سنستكمل عضويتنا في المؤسسات الدولية؟ وهل سنقوم بملاحقة اسرائيل قضائياً وسياسياً وجزائياً وامنياً على جرائمها بحق شعبنا الفلسطيني؟
والف هل وهل، ولكن كل ذلك لم يكن مقنعاً للبعض، بأن حلب الثور غير ممكن أو بأن لا دبس من قفا النمس، حيث ان التصريحات التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، والمنسوبة للرئيس الفلسطيني عباس، والمتضمنة للكثير من القضايا، التي ترفع وتزيد من وتيرة وحجم الإنقسام والإفتراق السياسي في الساحة الفلسطينية، بدلاً من ان تكون موحدة ومجمعة ومحدثة لتقارب ووحدة وطنية وحاشد لكل الجهود والطاقات الوطنية لمواجهة الصلف والعنجهية والغطرسة الإسرائيلية، ودعونا نقفز عن فقرة التنسيق الأمني ودور اجهزة الأمن الفلسطينية، الى الفقرة التي تجعلنا نتوجس، بأن ما يجري التصريح والجهر به، عن عدم التمديد والموافقة على الحلول الإنتقالية، دحضته الأقوال الواردة في هذه المقابلة، فالرئيس عباس قال بشكل واضح لا يقبل التأويل او التشكيك، او التذرع بأن النص أخرج من سياقه، عندما قال انه "يوافق على انسحاب إسرائيلي تدريجي من الأراضي الفلسطينية يستمر نحو ثلاث سنوات بوجود قوات دولية قبل وأثناء وبعد الانسحاب، وهذا يعني بشكل واضح القبول بـ"الحل الإنتقالي" وأياً كان المسمى المطروح "انسحاب تدريجي" أو غيره، فهذا يتفق مع ما يريده الطرف الأمريكي بالتوصل الى اتفاق إطار انتقالي لمدة محددة، وهو ما تريده اسرائيل أيضاً، حيث ستمضي في مشاريعها بعد ذلك وبما يتفق مع مصالحها دون الإلتفات لهذا الإتفاق، وستجد مئة ذريعة وذريعة للتهرب من التنفيذ، حيث لا توجد آلية ملزمة لها بالتنفيذ.
هذه تصريحات لا تخدم لا المشروع ولا الحقوق الفلسطينية لا من قريب او بعيد، فإسرائيل تريد كرازي ولحد فلسطيني، وبالتالي فإن مثل هذه التصريحات تشجع الطرفين الإسرائيلي والأمريكي لمواصلة ضغطها أولاً من اجل تمديد فترة التفاوض، عبر رشاوي اقتصادية او إطلاق سراح دفعات اخرى من الأسرى، على ان يصار بعد ذلك لإنجاز "حل مرحلي"، حل ستكون نتائجه وخيمة على شعبنا وقضيتنا وحقوقنا الوطنية، تصل حد التصفية الفعلية، وخصوصاً أننا ندرك بأن المطلوب هو التنازل عن حق العودة، والإعتراف بيهودية اسرائيل، وإخراج القدس من دائرة التفاوض، مع بقاء وتواجد عسكري اسرائيلي ومدني في الأغوار وعلى المعابر، والإحتفاظ بأغلب الكتل الإستيطانية في الضفة الغربية.
واضح بأن هناك البعض ممن يعشعش في أذهانهم أوهاماً بأن الإحتلال، سيقدم من خلال التفاوض على تقديم تنازلات جدية، ولكن الواقع والوقائع تثبت بشكل قاطع، بأن هذا الإحتلال بدون أن يدفع ثمن وكلفة إحتلاله، لن يقدم أي تنازلات ذات مغزى وجوهرية، فحتى الصيغ المطروحة في خطة كيري، والتي تبتعد كثيراً عن الحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني، فإن الكثير من الأحزاب الصهيونية المؤتلفة مع الليكود في الحكومة ترفضها، مثل "البيت اليهودي" وإسرائيل بيتنا و"يوجد حد" وغيرها، وهي تهدد بإسقاط الحكومة في حالة الموافقة على خطة كيري، وحتى أعضاء من حزب الليكود نفسه مثل دانون ويعالون، سيتمردون على نتنياهو في حال الموافقة على خطة كيري.
لا يجوز لأي كان مهما كان موقعه استمرار التجريب، فيما يخص حقوق وثوابت شعبنا الفلسطيني، فهذه ليست بوادر حسن نية، بل تصريحات تتعلق بصلب حقوق وثوابت شعبنا الفلسطيني، ونحن لا نزال نكتوي بأوسلو وما جلبه لشعبنا من نتائج وخيمة وكارثية. ويفترض ان نستفيد من تلك التجربة، التي ما زلنا ندفع ثمنها حتى اللحظة، حيث قسّم اوسلو الأرض الى معازل وكانتونات، وقطع اوصال وحدتها الجغرافية، وكذلك فعل نفس الشيء وعلى نحو أسوأ مع شعبنا وحركتنا الوطنية والسياسية ونسيجنا المجتمعي، ولذلك لا رهان لا على كيري ولا على امريكا ومشاريعها، فهي منحازة بشكل سافر لإسرائيل، ولا ترى الأمور سوى بعيونها.